بالإضافة إلى هذا كله.. فإن من أبرز أوجه الاختلاف بين
الزكاة والضريبة، الأساس الذي بني عليه فرض كل منهما.. فالأساس القانوني لفرض
الضريبة قد اختلف في تحديده على نظريات متباينة لعلك تعرفها، ولعلكم تعرفونها..
أما الزكاة، فإنها تقوم على أربع نظريات واضحة معقولة متوافقة لها تأثيرها
الممتد.. إن شئتم شرحتها لكم.
قلنا: أجل.. فما أولها؟
قال: النظرية العامة للتكليف.. وتقوم هذه النظرية على أن من حق الخالق
المنعم أن يكلف عباده ما يشاء من واجبات بدنية ومالية، أداءً لحقه، وشكرًا لنعمته،
وليبلوهم أيهم أحسن عملاً، ليختبر ما في صدورهم، وليمحص ما في قلوبهم، وليعلم من
يتبع رسله ممن ينقلب على عقبيه، فيميز الله الخبيث من الطيب، والمسيء من المحسن،
ويوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون.
فكما كلف الله المسلم بالصلاة والصيام وكل منهما عبادة
بدنية، وبالحج، وهو عبادة بدنية مالية، كلفه بالزكاة، وهي عبادة مالية خالصة فيها
بذل المال الذي هو شقيق النفس، وعصب الحياة، وفتنة الدنيا ليعلم من يعبده تعالى
حقا فيبذل ما عنده لله، ومن يعبد ماله ودنياه، فيؤثرها على رضا الله :﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) ﴾ (الحشر)
قلنا: وعينا هذا.. فما النظرية الثانية؟
قال: نظرية الاستخلاف في مال الله.. فالمسلم يعتقد أن المال
مال الله تعالى، والإنسان ليس سوى مستخلف فيه، فكل ما في هذا العالم علويه وسفليه،
ملك خالص لله تعالى، وليس لأحد شرك في ذرة منه.. والأموال ـ بذلك ـ كلها ملك لله
تعالى، فهو واهبها والمنعم بها على عباده وهو وحده خالقها ومنشئها، وعمل الإنسان
الذي نسميه (إنتاجًا) يتخذ مجاله في مادة خلقها الله سبحانه وسخرها له، ولهذا يقول
الاقتصاديون: إن الإنتاج هو خلق المنفعة وليس خلق المادة، ومعنى هذا أنه يحول
المادة لتشبع حاجاته وتكون لها منفعة.