لقد جاء مسؤول السجن، وقال بعد أن ألقى تحية ممتلئة بالسلام:
أولا.. اسمحوا لنا أن أن نعتذر لكم عن الذي حصل لكم بسببنا.. اعذرونا.. فلم نكن
نتصرف بمحض إرادتنا.. لقد كانت هناك جهات كثيرة تتصرف فينا.. وتملي أوامراها..
جهات في الداخل.. وجهات من الخارج.. ولم يكن لنا معها من الأمر شيء.
لا أقول هذا لأتخلص من مسؤوليتي ومسؤولية من معي عما جرى
لكم.. ولكني أقوله لتدركوا الحقيقة..
لقد كنا مجرد دمى في هذا السجن.. يذهب بأحدنا.. ويؤتى بغيره..
ويغتال كل من يرفض أن يتولى أي مسؤولية تلقى على عاتقه..
لن أطيل عليكم.. أما أنا وجميع المسؤولين في هذا السجن..
فسنعرض أنفسنا مختارين على العدالة.. العدالة الحقيقية التي لا تعرف الأهواء، ولا
تؤثر فيها الطباع والأعراق والأمزجة.
أما أنتم.. فنحن نعرف من دخل منكم ظلما.. وهذا سيخرج الآن..
ومنكم من دخل بسبب جنايات ارتكبها.. فهذا سنحيله على العدالة كما نحيل أنفسنا..
ولن يجد في العدالة التي جاء بها الإسلام إلا ما يرضيه.
صاح رجل من السجناء، وقد ملأه العجب: ما الذي حصل؟.. هل نحن
لا نزال على الأرض؟
قال المسؤول عن السجن: أجل.. أنتم لا تزالون على الأرض..
أنتم تعلمون أن الأيام دول.. وقد كانت للباطل دولة.. والآن ـ وبفضل الله ـ سقطت
دولة الباطل لتبنى على أنقاضها دولة الحق.. لقد قال تعالى يبشر بهذا:﴿
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأعراف: 128)، وقال :﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ
الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا﴾(الأعراف: 137)