في اليوم الثالث، سرت نحو دار للعجزة.. كان قد أسسها صاحب لنا اسمه (برنارد بيرجمان)[1] .. ذلك الذي يطلق عليه أصحابنا لقب (ملك بيوت المسنين)..
وقد جاء تلك المدينة ليغرس فيها ما كان قد سبق أن غرس
مثله في الولايات المتحدة الأمريكية..
وقد استفاد من كل التجارب التي مر بها.. والتي كان
آخرها دخوله السجن، ودفعه مبلغا كبيرا غرامة على ما وقع فيه من التلاعب بالأموال،
واستعمال المسنين شبكة لصيده الوافر.
كان ظاهر الدار لوحة من لوحات الجمال.. ولكن باطنها
كان مميزا وغريبا لم أر مثله في أي دار أخرى.
لقد كانت كل دور العجزة التي رأيتها في حياتي لا تحوي
إلا الشيوخ المسنين الذين
[1] استفدنا المعلومات المرتبطة بهذه
الشخصية من (الموسوعة اليهودية) للمسيري.. وقد ذكر أنه وُلد في المجر وهاجر إلى
الولايات المتحدة عام 1929، وتخرَّج هناك في جامعة يشيفا ليصبح حاخاماً
أرثوذكسياً، إلا أنه ترك العمل الديني واتجه نحو الأعمال التجارية ودخل قطاع ملاجئ
ومصحات المسنين وهو قطاع يتمتع بهامش ربح عالي في الولايات المتحدة.. ونظراً لأن
الدولة كانت تتحمل النسبة الأكبر من نفقات رعاية المسنين في إطار البرامج الحكومية
المخصصة، لجأ بيرجمان إلى تعظيم أرباحه من خلال تضخيم كشوف نفقات هذه الملاجئ
والمصحات المقدمة إلى الجهات الحكومية المعنية. وقد تبين من التحقيقات اللاحقة مدى
حجم الإهمال والأوضاع المتردية والمعاملة اللا إنسانية التي تلقاها النزلاء
المسنون وهو ما أكد وصف بيرجمان بأنه (يهودي يتولى إدارة معسكر اعتقال)
وقد كان من كبار
المساهمين في الأنشطة الصهيونية والأنشطة اليهودية.. وحرص على إقامة علاقات وثيقة
بشخصيات سياسية أمريكية واستغلال هذه العلاقات لتمرير بعض مشاريعه أو التغاضي عن
تجاوزاته، كما أنه لم يتردد في اتهام الهيئات أو الجهات المختصة التي عارضت
مشاريعه بأنها معادية لليهود، وذلك في الوقت الذي كان يقوم فيه باستنزاف المسنين
من اليهود وغير اليهود وإهدار آدميتهم تحت عباءة اليهودية..
وقد بدأ التحقيق مع
بيرجمان عام 1974 حيث أُدين بتهم الاحتيال والنصب على البرنامج الأمريكي للرعاية
الصحية وبتهم الرشوة والتهرب الضريبي.. وحُكم عليه بالسجن لمدة عام وأربعة أشهر
وبغرامة كبيرة.