ألجأتهم الأيام إليها مرغمين لا مختارين.. بينما رأيت
تلك الدار التي أسسها (ملك بيوت المسنين) لا تحوي إلا شبابا ممتلئين جلدا وقوة،
ولم يقدموا إليها إلا وهم ممتلئون رغبة واختيارا.
قلت: كيف ذلك؟
قال: لقد كانت الدار مع ما فيها من المرافق خالية من
أي مسن، فلم يكن فيها إلا العمال والخدم والممرضون.. والذين اختاروا بمحض رغبتهم
العمل في هذا المجال.
قلت: والشيوخ؟
قال: هذا هو الحديث الذي أريد أن أحدثك عنه.. والذي
استفدت منه شعاعا جديدا من الأشعة التي اهتديت بها إلى شمس محمد a.
في ذلك اليوم.. وفي تلك الدار رأيت (برنارد بيرجمان)
جالسا على كرسي من كراسي الحديقة، وقد أحاط به الهم والحزن.. فكسا وجهه سربالا من
اليأس والقنوط.
اقتربت منه، وقلت: ما بال ملك المسنين حزينا يائسا؟
قال: وكيف لا أيأس.. وأنا مع كل تلك المكاسب التي
كسبتها قد لجأت إلى هذه الديار المملوءة بالقسوة والألم.
لقد كنت في أمريكا ملكا حقيقيا يرى في الشيوخ عوضا عن
أبنائهم.. بل كانوا إذا ما خيروا بين صحبتي وصحبة أبنائهم اختاروا صحبتي.. وها أنت
تراني الآن في هذه الدار قد قلاني الشيوخ، وودعوني.. مع أني وفرت لهم كل ما
يحتاجونه من ألوان الرعاية مما لم أوفر مثله لزبائني في ذلك العالم المتحضر.
قلت: فما ترى سر ذلك؟
قال: لست أدري.. إلى الآن لا أزال لا أدري السبب..
ولكن الذي أدريه أني في تلك الديار كنت أرى من عجائب التعامل مع المسنين ما لم أر
مثله في هذه الديار..