نشاط تلك المنطقة يفسر إحساس الزهاد الذين بلغوا في صلواتهم
درجة استغراق عميقة بانتقالهم بعيدا عن العالم الفيزيائي حولهم إلى حالة روحية لا
يدركها غيرهم إلا بمعايشة نفس التجربة، وهم خلال تلك الحالة من التحليق الروحي
والتسامي الإيماني يشعرون خلال أداء الأذكار والصلوات بعدم الاهتمام بالعالم
الفيزيائي المحيط وأنهم في حضرة جلال أسمى ومعية ذات عليا قاهرة تأسر الفؤاد وتملك
الوجدان يتضاءل معها كل شيء ويفقد أهميته.
وهكذا تأكد العلماء أن الاستغراق في العبادة يفتح
آفاقا من الشعور بالتسامي، ويقدم عونا على التخلص من آلام ومعاناة النفس والشفاء
من الاضطراب كالقلق والتوتر والكآبة وتأثيراتهم البدنية، وتكرر الممارسة بانتظام
يجدد القدرات بالانتقال إلى عالم تسترخي فيه النفس وتستريح من الضغوط، وفي تلك
الحالة يُفقد الاهتمام بالعالم الخارجي رغم تزايد التنبه والوعي والجلاء أو تزايد
الشعور به، بل ربما عند درجة ما تزداد القدرة على احتمال الألم العضوي، قال د.
لورنس ميكيني عميد المؤسسة الأمريكية لعلاج الاضطرابات الذهنية: (إن ممارسة التأمل
العميق باعتباره صوره من الخشوع قد يساعد في حد ذاته على التغلب على الشعور بالألم
النفسي والإحباط ويعيد التوازن في توزيع النشاط في مراكز المخ ويفرغ شحنات الشعور
بالتعاسة وفقدان الأمل حتى عند غير المؤمنين)
ووفق ما قاله د. ميكيني، فقد بدأت (الدراسات النفسية
الدينية) في الستينيات من القرن الماضي عندما ذهبت مجموعة من الباحثين الأمريكيين
إلى الهند لدراسة الموجات الكهربية للدماغ EEG لممارسي اليوجا، وفي عام 1980
أطلق ميكيني ومساعدوه مصطلح (الدراسات النفسية الدينية Neurotheology)، وأخرج عام 1994
كتابه بنفس الاسم، ويقدم هذا العلم الجديد تأييده التام للحقيقة الجوهرية في الدين
وهي الإيمان بالله، قال ميكيني: (ويكفي أننا قد أوجدنا طرقا عملية لقياس الأنشطة
الفكرية ولم يعد الإيمان بالله والمشاعر خلال الممارسات الدينية نشاطا فكريا غير
قابل للتجربة والإثبات، ومن تلك التقنيات الجديدة طريقة التصوير