قام رجل من الجمع، وقال: نعم ما ذكرتنا به.. فلاشك أن الغفلة عن ربنا
وسوء معرفتنا به هي سر ما حصل لنا من ألم ويأس وإحباط.. ولكن أنى لنا أن نستقر
ونسكن لما ذكرت.. ونحن نتشتت بين أنواع الهموم والآلام.. فلا نكاد نستقر في محل
حتى نرحل إلى غيره.
ابتسم سهل، وقال: أنت تسأل عن السكينة.. فالسكينة هي الدواء الوحيد الذي
تستقر به النفس.. وهي الدواء الوحيد الذي يشفيها من كل آلام التشتت..
قال الرجل: فأين نجدها؟
قال آخر: لقد قرأت منذ أعوام كلمة ناضرة لأحد الأطباء اللامعين في
أمريكا، قال فيها: (وضعت مرة وأنا شاب جدولاً لطيبات الحياة المعترف بها، فكتبت
هذا البيان بالرغائب الدنيوية: الصحة، والحب، والموهبة، والقوة، والثراء، والشهرة،
ثم تقدمت بها في زهو إلى شيخ حكيم.
فقال صديقي الشيخ: جدول بديع، وهو موضوع على ترتيب لا بأس به، ولكن يبدو
لي أنك أغفلت العنصر المهم الذي يعود جدولك بدونه عبثاً لا يطاق، وضرب بالقلم على
الجدول كله، وكتب كلمتي: (سكينة النفس) وقال: هذه هي الهبة التي يدخرها الله
لأصفيائه، وإنه ليعطي الكثيرين الذكاء والصحة، والمال مبتذل، وليست الشهرة بنادرة،
أما سكينة القلب، فإنه يمنحها بقدر.
وقال على سبيل الإيضاح: ليس هذا برأي خاص لي، فما أنا إلا ناقل من
المزامير، ومن أوريليوس، ومن لادنس، هؤلاء الحكماء يقولون: خل يا رب نعم الحياة
الدنيا تحت أقدام الحمقى، وأعطني قلباً غير مضطرب!
وقد وجدت يومئذ أن من الصعب أن أتقبل هذا، ولكن الآن بعد نصف قرن من
التجربة الخاصة، والملاحظة الدقيقة، أصبحت أدرك أن سكينة النفس هي الغاية المثلى
للحياة الرشيدة، وأنا أعرف الآن أن جملة المزايا الأخرى ليس من الضروري أن تفيد
المرء السكينة،