قال: السبب الثالث هو وضوح الغاية والطريق عند المؤمن.. فبينما يعيش غير
المؤمن في الدنيا تتوزعه هموم كثيرة، وتتنازعه غايات شتى، هذه تميل به إلى اليمين،
وتلك تجذبه إلى الشمال، فهو في صراع دائم داخل نفسه، وهو في حيرة بين غرائزه
الكثيرة، أيها يرضي: غريزة البقاء، أم غريزة النوع، أم المقاتلة، أم غيرها من
الغرائز.
وهو حائر مرة أخرى بين إرضاء غرائزه وبين إرضاء المجتمع الذي يحيا فيه،
وهو حائر مرة ثالثة في إرضاء المجتمع، أي الأصناف يرضيهم، ويسارع في هواهم، فإن
رضا الناس غاية لا تدرك.
في نفس الوقت نجد المؤمن قد استراح من هذا كله، وحصر الغايات كلها في
غاية واحدة، عليها يحرص وإليها يسعى، وهي رضوان الله تعالى، لا يبالي معه برضى
الناس أو سخطهم، شعاره ما قال الشاعر:
وليت الذي بيني وبينك عامر= وبيني وبين
العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين = وكل الذي فرق
التراب تراب
كما جعل المؤمن همومه هماً واحداً، هو سلوك الطريق الموصل إلى مرضاته
تعالى، والذي يسأل الله في كل صلاة عدة مرات أن يهديه إليه، ويوفقه لسلوكه،:﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ
(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾ (الفاتحة)،
وهو طريق واحد لا عوج فيه ولا التواء:﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ
بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾ (الأنعام)
وما أعظم الفرق بين رجلين، أحدهما عرف الغاية، وعرف الطريق إليها، فاطمأن
واستراح، وآخر ضال، يخبط في عماية، ويمشي إلى غير غاية، لا يدرى إلام المسير؟ ولا
أين المصير؟.. ﴿
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)﴾