قال: السبب الرابع هو أنس المؤمن بالوجود كله.. فالمؤمن يعيش موصولاً
بالوجود كله، ويحيا في أنس به، وشعور عميق بالتناسق معه، والارتباط به، فليس هذا
الكون عدواً له، ولا غريباً عنه، إنه مجال تفكره واعتباره، ومسرح نظره وتأملاته،
ومظهر نعم الله وآثار رحمته.
هذا الكون الكبير كله يخضع لنواميس الله كما يخضع المؤمن، ويسبح بحمد
الله كما يسبح المؤمن.
والمؤمن ينظر إليه نظرته إلى دليل يهديه إلى ربه، وإلى صديق يؤنسه في
وحشته..
وبهذه النظرة الودود الرحبة للوجود، تتسع نفس المؤمن، وتتسع حياته، وتتسع
دائرة الوجود الذي يعيش فيه.
قالوا: عرفنا السبب الرابع.. فما السبب الخامس؟
قال: السبب الخامس هو أن المؤمن يعيش في معية الله.. ولذلك لا يعتريه ذلك
المرض النفسي الوبيل، الذي يفتك بالمحرومين من الإيمان، ذلك هو مرض الشعور بالوحدة
المقلقة، فيحس صاحبه أن الدنيا مقفلة عليه، وأنه يعيش فريداً منعزلاً؛ كأنه بقية
غرقى سفينة ابتلعها اليم، ورمت به الأمواج في جزيرة صغيرة موحشة يسكنها وحده، لا
يرى إلا زرقة البحر وزرقة السماء، ولا يسمع إلا صفير الرياح، وهدير الأمواج.
وأي عالم أشد على النفس من هذا العالم، وأي إحساس أمر من هذا الإحساس؟ إن
أقسى ما يصنعه السجان بالسجين أن يحبسه في سجن انفرادي (زنزانة) ليحرمه من لذة
الاجتماع، وأنس المشاركة والاختلاط، فما بالنا بمن وضع نفسه دائماً في تلك
الزنزانة، وعاش فيها بمشاعره وتصوره وحده، وإن كانت الدنيا تضج من حوله بخلق الله
من بني الإنسان؟!
والمختصون متفقون على أن هذا المرض من أخطر أمراض النفس، لما يجلبه على