ذكرهم:(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).. هذا في التشهد الذي
يتكرر في الصلوات المفروضة وحدها تسع مرات يومياً عدا السنة والنوافل.. وإنه لأوسع
مدى من أن يعيش مع مؤمني عصره وحدهم، بل انه ليتخطى الأجيال، ويخترق العصور
والمسافات، ويحيا مع المؤمنين وإن باعدت بينه وبينهم السنون والأعوام، ويقول ما
قال الصالحون::﴿
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ
رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)﴾
(الحشر)
المؤمن يشعر أنه يعيش بإيمانه وعمله الصالح مع أنبياء الله ورسله
المقربين، ومع كل صدِّيق وشهيد وصالح من كل أمة وفي كل عصر::﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ
فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا
(69)﴾ (النساء)
وأي إنسان أسعد ممن يرافق هؤلاء ويرافقونه؟ إنها ليست مرافقة جسد وصورة،
ولكنها مرافقة روح ووجدان، وفكر وقلب، وكفى أنه (معهم)، وليس خلفهم، ولا قريبا
منهم.. ولا يحسبن امرؤ من الناس أن مرافقة هؤلاء للمؤمن شيء هين ضئيل، أو أمر
خيالي موهوم، فإنه لفرق كبير دين إنسان تاريخه هو تاريخ شخصه أو أسرته، أو حزبه
مثلاً، فهو قريب القاع، سطحي الجذور، وإنسان تاريخه هو تاريخ الإيمان والهدى من
عهد آدم، تاريخه هو تاريخ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد من أولي العزم من الرسل،
ومن غيرهم من أصحاب النبوات والرسالات منذ بعث الله رسولاً، وأنزل كتاباً، فهو
يستلهم هذا التاريخ المؤمن الحافل في كل ما ينزل به من أحداث، وما يعرض له من
مشكلات، وما يقف في سبيله من عوائق، ويجد فيه الأسوة والهداية كما يجد فيه السلوى
والعزاء، كما يجد فيه الأنس والود، ومن كل ذلك يأخذ الزاد لفكره، والنور لقلبه،
والمدد لإرادته.