قال: ذلك ما أشار إليه القرآن الكريم من أن طول القعود عقب الهزيمة يوجب
العقاب من رب العالمين.. وذلك حتى يعلم الإنسان أن واجبه عقب الانكسار أن يبادر
بالنهوض وإصلاح ما فات، فالعمر ضيق لا مجال فيه لطول القعود يأسًا وإحباطًا،
والفرص المتاحة قد لا تظل متاحة إلى الأبد..
يقول تعالى في ذلك معالجًا أشد ساعات الهزيمة النفسية لدى المؤمنين يوم
أحد:﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ (144)﴾ (آل عمران: 144)
لقد فقه هذا المعنى رجلان من الأنصار ـ قبل أن تنزل الآية الكريمة ـ فهذا
أنس بن النضر يصيح بأولئك الذين أحبطوا وقعدوا عن القتال لما سمعوا بمقتل النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم:(ما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه).. ثم استقبل
القوم فقاتل حتى قتل..
أما الآخر فكان ثابت بن الدحداح.. فقد كان يصيح بأصحابه الأنصار يوم أحد
بعد الانكسار والهزيمة: (إن كان محمد قد قتل فإن الله حتى لا يموت، فقاتلوا عن
دينكم، فإن الله مظهركم وناصركم).. فربط السعي بالله الباقي.. ومن كانت هذه جهة
سعيه فلن ييأس لأنها جهة مفتوحة على الدوام..
بهذا المنهج الإسلامي الفريد قاد النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم
أصحابه إلى الخروج من أزماتهم كلها ومنها أزمة أحد.. فها هو a
بعد أحد بيوم واحد يتخذ القرار لمطاردة المشركين العائدين إلى مكة بما يشبه
الانتصار.. وأصر a ألا يأخذ معه في هذا الخروج إلا من اشترك في
أحد، وقال: (لا يخرج معنا إلا من شهد القتال)، برغم أن أولئك الذين شهدوا القتال
بالأمس سيخرجون اليوم