إنهم لم يستطيعوا أن يتخلوا عن طباعهم مهما حاولوا.. لقد وجدوا أمامهم
قصور المماليك والأغنياء بعد أن تركها أصحابها وفروا هاربين بأنفسهم، وكانت تلك
القصور تحوى الأموال الطائلة، والجواهر الثمينة، والتحف النادرة، والمصوغات
الغالية، والأمتعة النفيسة، ومختلف أنواع الفرش والأثاث والأوانى، عدا السيوف
والدروع وأدوات الحرب.
فماذا فعل الشرفاء، الذين جاءوا ليردوا إلى الشعب حقوقه المغصوبة؟
كان من أمرهم أن انطلق الجميع إلى هذه القصور بحجة البحث عن السلاح
فنهبوها، وأخذوا ما فيها من الأموال والجواهر، والمصوغات والنفائس الغالية، بل
إنهم فعلوا أكثر من ذلك، فقد كانوا يدخلون البيوت المسكونة بأفراد الشعب الذين لم
يهاجروا، بحجة البحث عن السلاح أيضا، فيسرقون كل ما يجدون عند هؤلاء المساكين من
مال قليل، أو مصوغات متواضعة.
ولم تقف نذالة هؤلاء الحقراء عند هذا الحد، فإنهم قد علموا أن بعض زوجات
الأمراء، ونساء كبار المماليك، لم يستطعن الهرب مع أزواجهن، فاضطررن إلى الاستخفاء
فى أماكن مجهولة خوفا على حياتهن.. فأمر نابليون الهمام أن ينادى بالأمان لهؤلاء
النساء الضعيفات، ولكن عليهن أن يدفعن ثمن هذا الأمان.. على كل منهن أن تصالح على
نفسها بمبلغ من المال، لكى تعود إلى قصرها أو بيتها.
ولم ير الناس فى تاريخ الهمج أو اللصوص نذالة مثل هذه النذالة!..
وأخذ النساء يظهرن، ويصالحن على أنفسهن بأموال طائلة... ولكن هل وقفت
الخسة مع النساء عند هذا الحد؟
وقد ذكر الجبرتى أن زوجة رضوان بك- أحد كبار المماليك- ظهرت من مكانها
الذى كانت تختبىء فيه.. وصالحت على نفسها وبيتها بثلاثمائة وألف ريال فرنسى، وأخذت
منهم ورقة بهذا الأمان.. ولم تكتف بذلك، بل ألصقتها على باب بيتها، ليعرف الجنود
الشرفاء أنها