وهذا أنس بن النضر يقاتل قتال الأبطال في أحد، ويلقاه سعد بن معاذ فيقول
له: يا سعد، الجنة ورب النضر: أجد ريحها من وراء أحد!!
بعد هذا، فإن المؤمن يستمد قوته من القدر الذي يؤمن به، فهو يعلم أن ما
أصابه من مصيبة فبإذن الله، وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم
ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا
بشيء قد كتبه الله عليه.. ﴿
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾(التوبة)
والمؤمن يعتقد أن رزقه مقسوم، وأجله محدود، لا يستطيع أحد أن يحول بينه
وبين ما قسم الله له من رزق، ولا أن ينتقص ما كتب الله له من أجل..
وهذه العقيدة تعطيه ثقة لا حدود لها، وقوة لا تقهرها قوة بشر.. وقد كان
الرجل من سلفنا الصالح يذهب إلى الميدان مجاهداً في سبيل الله فيعترض سبيله
المثبطون، ويخوفونه من ترك أولاده، فيقول: علينا أن نطيعه تعالى كما أمرنا، وهو – سبحانه - يرزقنا كما وعدنا.
وكان البطل الهمام علي بن أبي طالب يخوض المعامع وهو يردد:
أي يومي من الموت أفر؟ = يوم لا يقدر أو يوم قدر؟
يوم لا يقدر لا أحذره = ومن المقدور لا ينجي الحذر
لقد ذكر السيد الجليل صاحب الهمة العالية جمال الدين الأفغاني دور القضاء
والقدر في إخراج المستضعفين من وهم الاستضعاف، فقال: (الاعتقاد بالقضاء والقدر -
إذا تجرد عن شناعة الجبر- يتبعه صفة الجرأة والإقدام، وخلق الشجاعة والبسالة يبعث
على اقتحام المهالك التي ترجف لها قلوب الأسود، وتنشق منها مرائر النمور، هذا
الاعتقاد يطبع الأنفس على الثبات، واحتمال المكاره، ومقارعة الأهوال، ويحليها بحلل
الجود والسخاء، ويدعوها إلى الخروج عن كل ما يعز عليها، بل يحملها على بذل
الأرواح، والتخلي عن نضرة الحياة.. كل