وذكر المؤرخون أن قريشا حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول
الله a، فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا كذا
وكذا فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن
قومك ما يكرهون من قولك، فظن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أن قد بدا لعمه فيه،
وأنه خاذله ومسلمه وضعف عن القيام معه، فقال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم:(يا
عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله
تعالى أو أهلك في طلبه)، ثم استعبر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
فبكى، فلما ولى قال له حين رأى ما بلغ الأمر برسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم:
يا ابن أخي فأقبل عليه، فقال: (امض على أمرك وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء
أبدا)[2]
وعن عبد الله بن جعفر قال: لما مات أبو طالب عرض لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم سفيه من سفهاء قريش فألقى عليه ترابا، فرجع إلى بيته، فأتت امرأة من
بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكي قال: فجعل يقول: (أي بنية، لا تبكين، فإن الله عز
وجل مانع أباك)، ويقول ما بين ذلك: (ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو
طالب)[3]
وعن أشعث قال حدثنى شيخ من بنى مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بسوق ذى المجاز يتخللها يقول:(يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله
تفلحوا)، قال: وأبو جهل يحثى عليه التراب ويقول:(يا أيها الناس لا يغرنكم هذا عن
دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات
[1] رواه الطبراني في الأوسط
والكبير، إلا أنه قال: من جلس، مكان: كبس.. ورواه أبو يعلى باختصار يسير من أوله،
ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، وهذا من دلائل إيمان أبي طالب – رضي الله عنه – وقد ذكرنا بعض التفاصيل
المثبتة لذلك في رسالة (أسرار الأقدار) وغيرها.