الصغير[1]حتى أودعه)، فأخذه وأومأ إليه ليقبله، ثم
أخذه على يده، وقال: (يا قوم قد قتلتم شيعتي وأهل بيتي، وقد بقي هذا الطفل يتلظى
عطشاً، فاسقوه شربةً من الماء)، فبينما هو يخاطبهم إذ رماه رجل منهم بسهم فذبحه،
فقال لزينب: (خذيه)، ثم تلقى الدم بكفيه حتى امتلأتا، ورمى بالدم نحو السماء وقال:
(هون علي ما نزل بي أنه بعين الله)
واشتد العطش بالحسين، فركب المسناة يريد الفرات، والعباس أخوه بين يديه،
فاعترضتهما خيل ابن سعد، فرمى رجل من بني دارم الحسين بسهمٍ فأثبته في حنكه
الشريف، فانتزع السهم وبسط يده تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم، ثم رمى به
وقال: (اللهم إني أشكوه إليك ما يفعل بابن بنت نبيك)
ثم اقتطعوا العباس عنه، وأحاطوا به من كل جانب ومكان، حتى قتلوه، فبكى
الحسين بكاءً شديداً.
ثم إن الحسين دعا الناس إلى البراز، فلم يزل يقتل كل من برز اليه، حتى
قتل مقتلة عظيمة، وهو في ذلك يقول:
القتل أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار
ثم صاح بهم: (ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم
لاتخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً
كما تزعمون)، فناداه شمر: ما تقول يابن فاطمة؟ قال: (أقول: أنا الذي أقتاتلكم
وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا أعتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض
لحرمي ما دمت حياً)، فقال شمر: لك ذلك يا ابن فاطمة، وقصدوه بالحرب، فجعل يحمل
عليهم ويحملون عليه، وهو مع ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد، حتى أصابه اثنتان وسبعون
جراحة.