قال آخر: ابدأ بنا من المرحلة الأولى.. تلك التي سماها لك الفضيل بالأمل.
قال: في بداية الطريق سار بي الفضيل إلى رجال مختلفين.. كلهم كانوا من
التوابين[1].. وقد تعلمت على أيديهم أن الله الرحيم
الرحمن تكرم على عباده، فأعطاهم من فضل مغفرته ما لا يقدر بثمن..
كان أولهم رجلا يقال له (مالك بن دينار)[2] .. وقد ذكر لي في أول لقاء لي معه سبب توبته
فقال:(كنت شرطيا، وكنت منهمكا على شرب الخمر، ثم إن الله يسر لي فتزوجت امرأة
صالحة وقعت مني أحسن موقع، فولدت لي بنتا، فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازدادت
في قلبي حبا، وألفتني وألفتها.. وكنت إذا وضعت المسكر بين يدي جاءت إلي وجاذبتني،
وأهرقته.. فلما تم لها سنتان ماتت، فأكمدني حزنها، فلما كانت ليلة النصف من شعبان،
وكانت ليلة الجمعة بت ثملا من الخمر.. فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت،
ونفخ في الصور، وبعثرت القبور، وحشر الخلائق وأنا معهم، فسمعت حسا من ورائي،
فالتفت، فإذا أنا بتنين أعظم ما يكون أسود أزرق قد فتح فاه مسرعا نحوي، فمررت بين
يديه هاربا فزعا مرعوبا، فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة، فسلمت عليه،
فرد السلام، فقلت: أيها الشيخ أجرني من هذا التنين أجارك الله، فبكى الشيخ، وقال
لي: أنا ضعيف وهذا أقوى مني وما أقدر عليه، ولكن مر وأسرع فلعل الله أن يتيح لك ما
ينجيك منه.. فوليت هاربا على وجهي، فصعدت على شرف من شرف القيامة، فأشرفت على
طبقات النيران، فنظرت إلى هولها وكدت أهوي فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجع
فلست من أهلها، فاطمأننت إلى قوله ورجعت ورجع التنين في طلبي، فأتيت الشيخ، فقلت:
يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين
[1] سنذكر هنا بعض سير
التائبين ، وأخبارهم مذكورة بالتفصيل في كتاب التوابين لابن قدامة.. وقد تصرفنا في
بعض الأحداث بما يقتضيه المقام.. فلذلك نرجو الرجوع للمصدر لمن أراد الروايات
الحقيقية.
[2] هو مالك بن دينار البصري،
أبويحيى (ت 131 هـ) من رواة الحديث، كان ورعا، يأكل من كسبه.