قال لي أحدهم: تأمل[1] – يا أخي – فضل الله على عباده.. وانظر لطائف نعمه عليهم في
الدنيا، وعجائب حكمه التي راعاها في فطرة الإنسان حتى أعد له في الدنيا كل ما هو
ضروري له في دوام الوجود كآلات الغذاء وما هو محتاج إليه كالأصابع والأظافر، وما
هو زينة له كاستقواس الحاجبين واختلاف ألوان العينين وحمرة الشفتين وغير ذلك مما
كان لا ينثلم بفقده غرض مقصود.. وإنما كان يفوت به مزية جمال.
فالعناية الإلهية التي لم تقصر عن عباد الله في أمثال هذه الدقائق حتى لم
يرض لعباده أن تفوتهم المزايد والمزايا في الزينة والحاجة كيف يرضى بسياقهم إلى
الهلاك المؤبد.
قال آخر: بل إذا نظر الإنسان نظراً شافياً علم أن أكثر الخلق قد هيئ له
أسباب السعادة في الدنيا، حتى إنه يكره الانتقال من الدنيا بالموت، وإن أخبر بأنه
لا يعذب بعد الموت أبداً مثلاً أو لا يحشر أصلاً، فليست كراهتهم للعدم إلا لأن
أسباب النعم أغلب لا محالة، وإنما الذي يتمنى الموت نادر، ثم لا يتمناه إلا في حال
نادرة ورافعة هاجمة غريبة، فإذا كان حال أكثر الخلق في الدنيا الغالب عليه الخير
والسلامة، فسنة الله لا تجد لها تبديلاً، فالغالب أن أمر الآخرة هكذا يكون، لأن
مدبر الدنيا والآخرة واحد، وهو غفور رحيم لطيف بعباده متعطف عليهم.
قال آخر: وانظر في حكمة الشريعة وسنتها في مصالح الدنيا ووجه الرحمة
للعباد بها، حتى كان بعض العارفين يرى آية المداينة في البقرة من أقوى أسباب
الرجاء. فقيل له: وما فيها من الرجاء؟ فقال: الدنيا كلها قليل، ورزق الإنسان منها
قليل، والدين قليل عن رزقه، فانظر كيف أنزل الله تعالى فيه أطول آية ليهدي عبده
إلى طريق الاحتياط في حفظ دينه، فكيف لا يحفظ دينه الذي لا عوض له منه؟
وقال آخر: الناظرون بنور البصائر، المستمدون من أنوار القرآن علموا أن كل
قلب سليم