قال: فهكذا الأمر في تعامل عباد الله مع ربهم.. فمنهم من يهجم به ما
يتوهمه رجاء على معصية الله.. فيغفل عن الله، ويسلك غير السبيل الذي أمر بسلوكه.
قلت: فما المخرج؟
قال: لقد سرت المرحلة الأولى التي قطعت بها حجاب اليأس والقنوط.. والآن
عليك أن تسير المرحلة الثانية.. والتي تقطع بها حجاب الغرور والأماني.
قلت: فهل ستسير بي؟
قال: لقد ذكرت لك أن الله هو الذي يسير بنا.. فهلم معي إلى نفر من أولياء
الله لترى من أحوالهم.. وتسمع من أحاديثهم ما ييسر عليك قطع هذه المرحلة.
سرت معه إلى غابة كانت في ضاحية المدينة.. وأمام شجرة من أشجارها رأيت
رجلا ممتلئا بالأنوار.. يخاطب نفسه، وكأنه يخاطب غريمه.. وكان مما سمعته منه قوله[1]:(يا نفس.. ما أعظم جهلك.. تدعين الحكمة والذكاء والفطنة، وأنت أشد الناس
غباوة وحمقا..
أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار، وأنك صائرة إلى إحداهما على
القرب.. فما لك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو، وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم،
وعساك اليوم تختطفين أو غدا، فأراك ترين الموت بعيدا، ويراه الله قريبا.
أما تعلمين أن كل ما هو آت قريب، وأن البعيد ما ليس بآت..
أما تعلمين أن الموت يأتى بغتة من غير تقديم رسول، ومن غير مواعدة
ومواطأة، وأنه لا يأتى في شىء دون شىء، ولا في شتاء دون صيف، ولا في صيف دون شتاء.
[1] نقلنا هذا الخطاب مع النفس من كلام
لأبي حامد في الإحياء.. وفيه من التصرف ما يقتضيه المقام.