ويحك يا نفس.. إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقادك أن الله لا يراك،
فما أعظم كفرك، وإن كان مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك وأقل حياءك.
ويحك يا نفس.. لو واجهك أخ من إخوانك بما تكرهينه كيف كان غضبك عليه
ومقتك له، فبأى جسارة تتعرضين لمقت الله وغضبه وشديد عقابه.. أفتظنين أنك تطيقين
عذابه.. هيهات هيهات جربى نفسك إن ألهاك البطر عن أليم عذابه فاحتبسى ساعة في
الشمس أو قربى أصبعك من النار ليتبين قدر طاقتك..
أتغترين بكرم الله وفضله واستغنائه عن طاعتك وعبادتك، فما لك لا تعولين
على كرم الله تعالى في مهمات دنياك، فإذا قصدك عدو فلم تستنبطين الحيل في دفعه ولا
تكلينه إلى كرم الله تعالى.
ويحك يا نفس.. ما أعجب نفاقك ودواعيك الباطلة، فإنك تدعين الإيمان
بلسانك، وأثر النفاق ظاهر عليك: ألم يقل لك سيدك ومولاك:﴿ وَمَا مِنْ
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ (هود:6) بينما قال في شأن
الآخرة:﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ (لنجم:39)..
فقد تكفل لك بأمر الدنيا خاصة وصرفك عن السعى فيها فكذبته بأفعالك، وأصبحت
تتكالبين على طلبها تكالب المدهوش المستهتر.. ووكل أمر الآخرة إلى سعيك فأعرضت
عنها إعراض المغرور المستحقر.. ما هذا من علامات الإيمان، لو كان الإيمان باللسان
فلم كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار؟
ويحك يا نفس.. كأنك لا تؤمنين بيوم الحساب، وتظنين أنك إذا مت انفلت وتخلصت..
وهيهات هيهات.. أتحسبين أنك تتركين سدى؟.. فإن كان هذا من إضمارك فما أكفرك
وأجهلك.. أما تتفكرين أنه مماذا خلقك: من نطفة خلقك فقدرك، ثم السبيل يسرك، ثم
أماتك فأقبرك، أفتكذبينه في كونه إذا شاء أنشرك.. فإن لم تكونى مكذبة، فما لك لا
تأخذين حذرك، ولو أن شخصا أخبرك في ألذ أطعمتك بأنه يضرك في مرضك لصبرت عنه وتركته
وجاهدت