نفسك فيه.. أفكان قول الأنبياء المؤيدين بالمعجزات وقول الله تعالى في
كتبه المنزلة أقل عندك تأثيرا من قول يهودى يخبرك عن حدس وتخمين وظن مع نقصان عقل
وقصور علم..
بل العجب أنه لو أخبرك طفل بأن في ثوبك عقربا لرميت ثوبك في الحال من غير
مطالبة له بدليل وبرهان، أفكان قول الأنبياء والعلماء والحكماء وكافة الأولياء أقل
عندك من قول صبى من جملة الأغبياء، أم صار حر جهنم وأغلالها وأنكالها وزقومها
ومقامعها وصديدها وسمومها وأفاعيها وعقاربها أحقر عندك من عقرب لا تحسين بألمها
إلا يوما أو أقل منه؟
ما هذه أفعال العقلاء.. بل لو انكشف للبهائم حالك لضحكوا منك وسخروا من
عقلك، فإن كنت يا نفس قد عرفت جميع ذلك وآمنت به فما لك تسوفين العمل والموت لك
بالمرصاد ولعله يختطفك من غير مهلة، فبماذا أمنت استعجال الأجل، وهبك أنك وعدت
بالإمهال مائة سنة أفتظنين أن من يطعم الدابة في حضيض العقبة يفلح ويقدر على قطع
العقبة بها.. إن ظننت ذلك فما أعظم جهلك.
ويحك يا نفس.. لا ينبغى أن تغرك الحياة الدنيا، ولا يغرنك بالله الغرور..
فانظرى لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك، ولا تضيعى أوقاتك.. فالأنفاس معدودة، فإذا مضى
منك نفس فقد ذهب بعضك، فاغتنمى الصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والغنى قبل
الفقر، والشباب قبل الهرم، والحياة قبل الموت، واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها.
ويحك يا نفس.. انزعى عن جهلك، وقيسى آخرتك بدنياك، فما خلقكم ولا بعثكم
إلا كنفس واحدة، وكما بدأنا أول خلق نعيده، وكما بدأكم تعودون، وسنة الله تعالى
لا تجدين لها تبديلا ولا تحويلا.
ويحك يا نفس.. ما أراك إلا ألفت الدنيا، وأنست بها، فعسر عليك مفارقتها،
وأنت مقبلة على مقاربتها، وتؤكدين في نفسك مودتها، فاحسن أنك غافلة عن عقاب الله
وثوابه وعن أهوال القيامة وأحوالها فما أنت مؤمنة بالموت المفرق بينك وبين محابك،
أفترين أن من يدخل