هزتني الموعظة كما هزت الجموع المحيطة بالرجل، فسألت الفضيل عنه، فقال:
هذا رجل نذر نفسه أن يعظ عباد الله، ويرقق قلوبهم ليصححوا علاقتهم بالله.. إنه من
بغداد.. ويقال له (ابن الجوزي)
[1]
سمعنا مواعظ أخرى منه، وبكينا كما بكت الجموع..
ثم سرت معه إلى محل من المحلات كان صاحبه ينشر أمامه مصحفا عتيقا.. وكان
يقرأ من مواضع متفرقة منه بخشوع، والدموع تنهمر من عينيه، وكان جميع من يستمع إليه
يبكي لبكائه..
كان من الآيات التي سمعتها منه قوله تعالى:﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ﴾ (البقرة:199).. وقوله:﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ
إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾
(البقرة:285).. وغيرها من الآيات الكثيرة.
سألت الفضيل عنه، فقال: هذا رجل من أهل الله نذر نفسه لكتاب ربه.. فهو لا
يتكلم به.. ولا يقرأ في حياته غيره.
قلت: فما باله لا يقرأ إلا آيات الاستغفار؟
قال: هو يطلب ممن حوله أن يستغفروا ربهم.. ويخبرهم أن ذلك هو شأن عباد
الله الصالحين من الأولياء والمرسلين..
تركناه يرتل بخشوع.. والناس من حوله يخشعون لخشوعه.. ثم سرنا إلى محل من
المحلات كان صاحبه ينشر أمامه أوراقا يقرأ منها أحاديث للنبي a، فسألت الفضيل عنه، فقال: هذا رجل من أهل الله.. نذر نفسه أن لا يذكر
عباد الله إلا بأحاديث رسول الله.. إنه