والوقت ضيق أشد من تشميره الذي كان في المعاصي في متسع الأوقات.
أما أمواله الحاضرة فليرد إلى المالك ما يعرف له مالكاً معيناً وما لا
يعرف له مالكاً فعليه أن يتصدق به، فإن اختلط الحلال بالحرام فعليه أن يعرف قدر
الحرام بالاجتهاد ويتصدق بذلك المقدار كما سبق تفصيله في كتاب الحلال والحرام.
سأله آخر: فما يفعل من تناول أعراض الناس بما يسوءهم أو يعيبهم في
الغيبة؟
التفت إليه، وقال: يطلب كل من تعرض له بلسان أو آذى قلبه بفعل من أفعاله،
وليستحل واحداً واحداً منهم، ومن مات أو غاب فقد فات أمره ولا يتدارك إلا بتكثير
الحسنات لتؤخذ منه عوضاً في القيامة.
وأما من وجده وأحله بطيب قلب منه فذلك كفارته وعليه أن يعرفه قدر جنايته
وتعرض له، فالاستحلال المبهم لا يكفي، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب
نفسه بالإحلال وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته،
فإن كان في جملة جنايته على الغير ما لو ذكره وعرفه لتأذى بمعرفته يعظم آذاه مهما
شوفه به فقد انسد عليه طريق الاستحلال، فليس له إلا أن يستحل منها ثم تبقى له
مظلمة فليجبرها بالحسنات كما يجبر مظلمة الميت والغائب.
وأما الذكر والتعريف فهو سيئة جديدة يجب الاستحلال منها، ومهما ذكر
جنايته وعرفه المجني عليه فلم تسمح نفسه بالاستحلال بقيت المظلمة عليه فإن هذا
حقه، فعليه أن يتلطف به ويسعى في مهماته وأغراضه ويظهر من حبه والشفقة عليه ما
يستميل به قلبه، فإن الإنسان عبد الإحسان، وكل من نفر بسيئة مال بحسنة فإذا طاب
قلبه بكثرة تودده وتلطفه سمحت نفسه بالإحلال، فإن أبى إلا الإصرار فيكون تلطفه به
واعتذاره إليه من جملة حسناته التي يمكن أن يجبر بها في القيامة جنايته، وليكن قدر
سعيه في فرحه وسرور قلبه بتودده وتلطفه كقدر سعيه في أذاه، حتى إذا قاوم أحدهما
الآخر أو زاد عليه أخذ منه ذلك عوضاً في القيامة بحكم الله به