تعالج هذه الرواية قيمة من قيم الإسلام العظمى التي تمثله في
عقائده وشرائعة وأخلاقه وعلاقاته مع عوالم الأفكار والأديان والمذاهب.. وعلاقاته
مع عوالم البشر والأمم المختلفة، بل والكون جميعا.. ولا يكون المسلم مسلما إلا
بتحققه بها ظاهرا وباطنا.. ولا يكون المجتمع مجتمعا مسلما إلا إذا دبت فيه روحها،
وكانت هي قلبه النابض، ورئته التي يتنفس بها.
وهي القيمة .. والتي جاءت بها جميع النصوص المقدسة.. ومثلتها
السيرة المطهرة لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم .. ومثلها من بعده وورثته الطاهرون الصادقون أحسن تمثيل..
هذه القيمة العظيمة التي لا يمكن وصف أهميتها، وعلاقتها
بالإسلام، وعلاقة الإسلام بها هي قيمة (الرحمة).. فالإسلام رسالة ورسولا (رحمة
للعالمين).. والله رب العالمين هو الرحمن الرحيم.. والكون كله نشأ رحمة من الله..
وتحرك في طريق العبودية لله رحمة من الله.. وما ينتظره من أنواع الرحمات لا يمكن تصوره.
والرسالة التي كلف المسلم أن يتحرك بها في الأرض لينشر هداية
الله تنطلق من رحمته بهم، وحرصه عليهم، ولذلك هو يسير بينهم ممثلا لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم في رحمته وسلامه وأخلاقه العالية،
ليجذبهم بمغناطيس الرحمة، كما قال تعالى عن رسوله a: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ
فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]
لكن هذه القيمة ووجهت كما ووجهت القيم الأخرى بمن يحرفها عن
مسارها الصحيح، ليحول دين الرحمة إلى دين قسوة وغلظة وجفاء.. ويحول رب الرحمة إلى
مخادع وماكر ومستهزئ.. ويحول شريعة الرحمة إلى شريعة استعباد واستبداد وطغيان..
ويحول رسول الرحمة إلى رسول ينشر الكراهية والأحقاد بين الأمم والمجتمعات..