ثم التفت إلى الجموع، وراح يصيح: انظروا الغرور العظيم الذي كان عليه ذلك
الرجل.. إنه لم يكتف بأن يزعم لنفسه الرحمة لقومه حتى راح يزعم أنه رحمة للعالمين..
وكيف يكون رحيما ذلك الذي يدعو إلى ضرب الصبية.. وإعناتهم.. وملأ حياتهم
بالتكاليف الشاقة!؟
قاطعه الصبي، وقال: لقد سمعنا موقفك – حضرة الأستاذ الفاضل- فهل تأذن لنا في الجواب؟
قال الرجل بكل غرور: أجل.. لقد خيرتكم بين هذه الحياة الكريمة التي
وفرتها هذه الحضارة الرحيمة، وبين الحياة القاسية التي دعاكم محمد إلى تحملها.
قال الصبي: قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، أخبرك - أولا- أن القسوة التي
كنت أعيش فيها مع رفاقي جميعا لم تكن قسوة مرتبطة بتشريعات الإسلام، ولا بتعاليم
محمد.. وإنما كانت قسوة ناشئة عن الحالة المادية التي اضطرتنا الحياة إليها
اضطرارا.
ومع ذلك.. ومع تلك القسوة الظاهرية.. كنا ننعم برحمة باطنية كبيرة تملأ
حياتنا بالجمال الذي لا يراه الناس.
نعم لم يكن للبيوت التي تكننا مثل هذا الجمال الذي تمتلئ به هذه الروضة..
ولم يكن فيها من المرافق ما فيها.. ولكنا مع ذلك كنا نشعر أن آباءنا لم يكونوا
يقصدون شيئا من القسوة حولنا.. ولكن ذات يدهم جعلتهم لا ينيلوننا من الحياة إلا ما
رأيتموه.. وليس لذلك كله صلة بالإسلام.
تغير وجه (يونيسيف) لإجابة هذا الصبي، وقال، وهو يحاول أن يستر موقفه: لا
بأس.. دعنا من حياتكم.. وأخبرني عن التعاليم التي جاء بها محمد.. ألا ترى أن فيها
وحدها ما يكفي للبرهنة على موقف الإسلام القاسي من الطفولة؟
ابتسم الصبي، وقال: إن أذنت لي، وأذن لي هذا الجمع المبارك، فسأحدثكم مع
رفاقي