قال الرجل: لعدم تحقق الجزاء.
قال الحكيم: فهل رأوا ربهم تخلى عن نبيهم.. فلم ينصره.. ولم يكن له وليا ولا واقيا؟
قال الرجل: حاشاهم أن يقولوا ذلك.
قال الحكيم: فكيف لهم أن يجوزوا شيئا لا دليل لهم عليه؟
قام رجل آخر، وقال: فما تقول في قوله تعالى:﴿ وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً إِلاَّ رَحْمَةً مِن رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً﴾ (الاسراء:86-87)؟
قال الحكيم: هذه الآيات لا يفهم منها الصادقون إلا صدق نبيهم a.. فالله لم يستلب الوحي من نبيه a مع قدرته عليه.. وذلك دليل كمال للنبي a لا دليل قصور منه.
قال الرجل: لم أفهم .. كيف يكون ذلك دليل كمال؟
قال الحكيم: أرأيت لو أن رجلا اجتاز مسابقة يقوم عليها خبراء أشداء يلاحظون النقير والقطمير.. ونجا منها بنجاح.. هل يعتبر ذلك كمالا أم لا؟
قال الرجل: بل يعتبر ذلك عين الكمال.
قال الحكيم: فلو اجتاز هذا على خبراء لا يرون ولا يسمعون ولا يهتمون.. هل يصح لهذا أن يفخر بكماله بهذا الاجتياز؟
قال الرجل: لا يستطيع أن يفخر هذا بشيء.. وليس ما فعله كمالا.
قال الحكيم: فنزه الله عن لوثات التشبيه.. وارتق بهذا المثال لتعرف مقام نبيك a.
قام رجل آخر، فقال: صدقت.. إن المثال الذي ذكرته فهمت به سر قوله تعالى مخاطبا نبيه a:﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الزمر:65)، وقوله تعالى:﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَقَاوِيلِ لاَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتينَ فَمَا مِنْكُمْ مِن أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزينَ﴾ (الحاقة: 44 ـ 47)