سكت قليلا، ثم قال: أما النموذج الثالث، فهو تعامله a مع من وقع في أخطاء كبرى من
أصحابه، مما يعتبر في عصرنا خيانة عظمى.
ونختار لذلك نموذج حاطب بن أبي بلتعة.. وقصة ما وقع من خيانته
حدثنا بها علي بن أبي طالب قال: بعثني رسول الله a وأبا مرثد والزبير وكلنا فارس،
قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن
أبي بلتعة إلى المشركين، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله a، فقلنا: الكتاب؟ فقالت: ما معنا من
كتاب، فأنخناها، فالتمسنا، فلم نر كتاباً، فقلنا: ما كذب رسول الله a ؛ لتخرجن الكتاب، أو لنجردنك، فلما
رأت الجد، أهوت إلى حجزتها وهى محتجزة بكساء، فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول
الله a ، فقال
النبي a: ما
حملك على ما صنعت؟ قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله a، أردت أن تكون لي عند القوم يد
يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع
الله به عن أهله وماله، فقال a: صدق، ولا تقولوا إلا خيراً[1].
التفت إلى دوج، وقال: هل ترى أن المستبد يمكن أن يقف مثل هذا
الموقف.
إن المستبد يقتل بمجرد الظنة والاتهام، وأنت ترى أن محمدا a مع كونه نبيا يوحى إليه لم يستدعه
حتى ثبت له في الواقع وبالدليل القطعي ما صنعه.
والمستبد لا يترك الفرصة لمن يتهمه، وأنت ترى محمدا a كيف استمع له.
والمستبد أسرع الناس إلى السيف، وأنت ترى محمدا a كيف عفا عنه.
والمستبد ينكر كل جميل قدم له، وأنت ترى أن محمدا a كيف لم ينس فضل حاطب ـ مع خيانته ـ
في موقفه من غزوة بدر.