وهكذا.. فهذه المواقف التي هي مجرد نماذج تحيل أن يكون في محمد a ذرة مما في نفوس المستبدين.
الناحية الاختيارية:
قال رجل من الجمع: وعينا هذه الناحية، وأدركنا مدى العدالة التي
تحويها.. وأدركنا السر الذي دعا إلى عدم استشارتنا فيها.. وأدركنا مدى الحرية التي
أعطيت لنا خلالها.. فحدثنا عن الناحية الثانية.
قال الحكيم: لقد نص القرآن الكريم على وجوب الشورى في هذه
الناحية، وأمر بها، فقال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ﴾ (الشورى:38).. لقد قرن الله تعالى
الشورى في هذه الآيات بأمور كلها واجبة، بل كلها من أصول الواجبات، كالصلاة
والزكاة والاستجابة لله.
بل إن الله تعالى في هذه الآية الكريمة فصل بين الصلاة والزكاة
مع أن العادة هي الجمع بينهما، وقد فصل بينهما بالأمر بالشورى، لأنه لا يمكن أن
تؤدى الزكاة أو أي شيء له علاقة بالمجتمع إلا بعد الشورى، حتى يمحص المحتاج من غير
المحتاج.
قال نيكولاس: نحن لا نتحدث عن الإسلام.. بل نتحدث عن سلوك
محمد.. فقد يأمر أحد من الناس غيره بالشورى من غير أن يمارسها.
قال الحكيم: إن كان هناك أحد في الدنيا يمكن وصفه بأنه أكثر
الناس استشارة لغيره، فلن يكون ذلك إلا محمد a..
فمع أن الله أغناه بما يوحى إليه[1] إلا أنه كان يشاور في الصغير
والكبير تنفيذا لما دعاه الله إليه في قوله تعالى:﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي
الْأَمْرِ ﴾ (آل عمران:159)
[1] روى سعيد بن منصور ابن
المنذر عن الحسن في الاية قال: قد علم الله أن ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد
ليستن به من بعده.