وقد ذكر بعض الصحابة كثرة استشارة النبي a لأصحابه، فقال: ما رأيت من الناس
أحدا أكثر مشورة لاصحابه من رسول الله a [1].
بل إنه كان يستشيره حتى في شؤونه الخاصة، فقد روي أن قيصر أهدى
لرسول الله a جبة
من سندس، فاستشار أصحابه، فقالوا: يا رسول الله، نرى أن تلبسها، يكبت الله بها
عدوك، ويسر المسلمين، فلبسها، وصعد المنبر فخطب وكان جميلا يتلألأ وجهه فيها، ثم
نزل فخلعها، فلما قدم عليه جعفر وهبها له.
أما في الشؤون العامة، فلم يترك الشورى في أي موقف من المواقف..
بل إنه كان يتوجه بطلب الشورى للناس جميعا لا لمجلس معين، ولا لناس مخصوصين.. وفوق
ذلك يتنازل في أحيان كثيرة لما يراه غيره مع مخالفته لرأيه.
ففي غزوة بدر، وهي أول معركة يخوضها النبي a ضد المشركين تجلت الشورى بأعمق
صورها وفي جميع مجالاتها.
ففي البداية استشارهم a في دخول المعركة، وعدم دخولها [2].. ثم استشارهم في المحل الذي
ينزلون فيه.. ثم استشارهم فيما نتج عن المعركة من الأسرى:
أما الأول، فقد روي أنه لما علم a بخبر مسير قريش، ليمنعوا عيرهم،
استشار الناس، فتكلم المهاجرون.. ثم قام المقداد، ققال: يا رسول الله امض لما أمرك
الله، فنحن معك، والله ما نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: ﴿فَاذْهَبْ
أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة:24)،
ولكن اذهب أنت ربك، فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، عن يمينك وشمالك، وبين
[2] ذكر الحافظ في الفتح
الروايات الواردة في هذا، ثم قال: ويمكن الجمع بأن النبي a استشارهم في غزوة بدر
مرتين: الاولى: وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، وذلك بين في
رواية مسلم، والثانية: بعد أن خرج كما في حديث ابن مسعود في الصحيح، وحيئذ قال سعد
بن معاذ ما قال.