يديك وخلفك، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد
لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه.
وقد كان بإمكان رسول الله a أن يكتفي بهذا.. فقد سكت الجميع
بعد أن تكلم هؤلاء، وحصل بسكوتهم الإجماع السكوتي، وهو إجماع معتبر عند الجميع،
لكن النبي a لم
يكتف به، بل راح يستشيرهم، ففهمت الانصار أنه يعنيهم، فقام سعد بن معاذ فقال: يا
رسول الله، كأنك تعرض بنا.
وكان a إنما يعنيهم لانهم بايعوه على أن يمنعوه من الاحمر والاسود في
ديارهم، فاستشارهم ليعلم ما عندهم، فقال سعد: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك،
وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع
والطاعة، فامض لما أردت، ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الانصار ترى عليها ألا
ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصل حبل
من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا
كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لامرك، فوالله لئن سرت
حتى تبلغ البرك من غمدان[1] لنسيرن معك، والله لو استعرضت بنا
هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقي عدونا غدا، إنا
لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقربه عينك، ولعلك خرجت لأمر
فأحدث الله غيره، فسر بنا على بركة الله، فنحن عن يمينك وشمالك، وبين يديك وخلفك،
ولا نكونن كالذين قالوا لموسى:﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا
إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة:24)، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا
معكما متبعون)
فأشرق وجه رسول الله a، وسر بقول سعد، وحين رأى a موافقة الجميع، أعلن بدء