لما رآني، وتفرس في وجهي تلك الكدورة، قال: ما بالك.. لقد حسبتك
مشتاقا إلى الأحاديث التي سنتحدث عنها في رحلتنا إلى الحبيب المصطفى a.
قلت: أجل.. ومن لا يفرح بالحديث عن الحبيب.
قال: فما بال الحزن يكسو وجهك!؟
قلت: لقد تذكرت أبا جهل وأبا لهب..
قال: لقد دفنا في طي النسيان.. ولم يبق إلا الحبيب الذي اشتغلا
بسبه.. فتحقق بذلك تأويل قوله تعالى:﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ (الكوثر:3)
قلت: لكن الأمر لم يقتصر عليهما.. ولا على من عاصرهما.. لقد ولد في
كل جيل من الأجيال من يخلفهما في الوظيفة القذرة التي تولوها.. ألم تسمع بسلمان
رشدي.. أو برسامي الرسوم الكاريكاتورية.. أو أولئك الذين ملأوا مدرجات الجامعات
بمحاضرات تلبست بلباس العلم لتصور الشمس بصورة المستنقعات والسموم والقمامات.. أو
أولئك الذين تركوا سماحة المسيح ونور المسيح ومحبة المسيح ليشتغلوا بسب محمد!؟
قال: لقد سمعت بهم.. بل كنت في يوم من الأيام أمارس هذه الوظيفة
القذرة.. وأنت تعلم قصتي..
شعرت بالحياء من ذكري لهذا، فقلت: أعتذر إليك.. لم أكن أقصدك،
فأنت أرفع شأنا.. ولكني أقصد أولئك الذين لا يبالون بما يقولون، ولا يندمون على ما
يقولون، ولا يرجعون عما يقولون.
قال: فهم لا يؤذون إلا أنفسهم..
قلت: بل يؤذون غيرهم.. فما ذنب أولئك البسطاء الذين لم يسمعوا إلا
خطبهم، ولم يقرأوا إلا كتبهم، ولم يتفرجوا إلا على صورهم؟
قال: أصدقك القول.. من صدق وجد.. وقديما قال أولياء الله: جد صدقا،
تجد مرشدا.