قال: فطبق هذا المثال على الفتن التي فتن الله بها عباده ليمحص
الصادقين من الكاذبين والطيبين من الخبيثين.
قلت: علمني كيف أطبق هذا المثال.. فلا زلت أرى الحقائق ولا أعيشها.
قال: أترى من العجب أن يتخذ الله بشرا رسولا يجعله واسطة بينه وبين
عباده ليكون سفيرا يوصل لهم حقائق الأزل؟
قلت: لا أرى عجبا في ذلك.. فلا يمكن أن يصبح كل البشر رسلا.. ولو
أصبحوا كلهم رسلا لما بقي هناك تكليف.
قال: ولكن هذا كان فتنة لكثير من الناس.. لقد عموا عن كمالات الرسل
بشيء توهموه عيبا، وهو كون الرسول بشرا مثلهم.
قلت: لقد ذكر الله تعالى هذا عن أقوام من الناس منذ بدأ الناس، فقد
حكى الله تعالى عن قوم نوح ذلك، فقال:﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ
مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ
مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ
هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ
بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)﴾(هود)
قال: فبم أجابهم نوح؟
قلت: لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقال:﴿ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى
بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ
أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ (هود:28)
قال: فقد اعتبر أن ما حصل له من فضل الله رحمة من الله.. ولكنها
عميت عليهم.. أو