اعتزلهن؟ فقال: لا، ولكن كان بيني وبين أزواجي شئ فأحببت ألا
أدخل عليهن شهرا.
ثم خرجت على الناس، فقلت: يا أيها الناس، ارجعوا، فإن رسول الله
a كان
بينه وبين أزواجه شئ، فأحب أن يعتزل، فدخلت على حفصة، فقلت: يا بنتي، أتكلمين رسول
الله وتغيظينه وتغارين عليه؟ فقالت: لا أكلمه بعد بشئ يكرهه، ثم دخلت على أم سلمة
وكانت خالتي، فقلت لها كما قلت لحفصة، فقالت: عجبا لك يا عمر، كل شئ تكلمت فيه،
حتى تريد أن تدخل بين رسول الله a وبين أزواجه، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله a وأزواجكم يغرن عليكم، فأنزل الله
تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾
(الأحزاب:28) حتى فرغ منها[1].
التفت الحكيم إلى جيري، وقال: إن هذه الحادثة التي ذكرتها لك
بطولها وقعت في المدينة.. وكل لفظ منها يدلك على مدى الزهد الذي كان يعيشه محمد a.
إنها عند أصحاب الرؤى القاصرة مثار شبه كثيرة، ولكنها عند أصحاب
العقول النيرة دليل من دلائل الصدق والزهد والعفاف..
تصور لو أن محمدا a كان يملك قصرا كتلك القصور التي يملكها أثرياء عصره.. أو على
الأقل كان يملك بيوتا كثيرة ممتلئة بالأثاث الكثير الذي كان ينعم به أهل عصره.. هل
كان لمثل هذه الأحداث أن تقع؟
لا.. لن تقع أبدا.. لأن السبب الأول في هذه الأحداث هو المال..
فلو أن النبي a كان ذا
مال وذا ثروة وذا بيوت واسعة كثيرة ما حصل ما حصل.
لقد رأيت صورة لبيت النبي a.. وقد ورد في رواية أخرى عن عمر
قال: دخلت على رسول الله a فإذا هو متكئ على رمال حصير قد أثر في جنبه، فرفعت رأسي في
البيت، فوالله
[1] ذكره الهيثمي في المجمع
5 / 13 من طريق عبد الله بن صالح، وعزاه للطبراني في الاوسط، وهو ـ بصيغة أخرى ـ
في الصحيحين 8 / 656 (4912) (6691) ومسلم 2 / 1100 (20 / 1474)