فإذا لم يجد أي سبيل بحث عمن يعين السائل، فقد جاءه رجل مرة،
فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء،
فأرسل إلى أخرى، فقالت: مثل ذلك، حتى قال كلهن مثل ذلك، فقال رسول الله a: (من يضيف هذا الليلة رحمه الله
تعالى؟) فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله a، فانطلق به إلى رحله، فقال
لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله a لا تدخري شيئا، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا
أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالي، فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة لضيف
رسول الله a ففعلت،
ثم غدا الضيف على النبي a فقال:(لقد عجب الله من فلان وفلانة)[2]، وقد نزل في ذلك قوله
تعالى:﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً
مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر:9)
وكان a يفعل ذلك كله مع ما به من فاقة وحاجة، بل كان يقدم ـ مع تلك
الفاقة والحاجة غيره، ليكون آخر مستفيد إن بقيت هناك بقية.
روي أن رسول الله a كان جالسا مع رجل من أصحابه، فغمز رسول الله a بطنه، فقال له الرجل: يا رسول الله
بأبي أنت وأمي أتشتكي بطنك؟ فقال: (لا، إنما هو جعار الجوع)، فقام الرجل ليدخل
حيطان الأنصار، فرأى رجلا من الأنصار يسقي سقاية، فقال له: هل لك أن أسقي لك بكل
سقاية تمرة جيدة؟ قال: نعم، قال: فوضع الرجل كساءه، ثم أخذ يسقي، وهو رجل قوي،
فسقي مليا، حتى ابتهر وعيا، فجعل يتروح، ثم فتح حجره، وقال: عد لي تمري،