ارتفعت العيون إلى صاحب الصوت المهيب، فإذا به الحكيم، فافترت
ثغور المجتمعين على ابتسامة فرح وسرور، وانصرفت عن فرانكلين إلى الحكيم.
أراد فرانكلين أن يصرف إليه المستمعين، فقال: ما بكم؟.. هل غركم
هذا الساحر عن أنفسكم.. أم أن سحره قد انطلى عليكم؟
قال الحكيم: الساحر لا يرى في حياته إلا السحر.. والمجنون لا
يرى في حياته إلا الجنون.
قال فرانكلين: هل تراك تتهمني، أم تقذفني، أم تسبني؟
قال الحكيم: أنا لا أتهمك ولا أقذفك، وما علمنا نبينا أن نسب
أحدا من الناس، ولكني أعرض عليك أن نبحث في الحقائق بعيون أهل الحقائق لا بعيون
أهل الدجل.
قال فرانكلين: وما عيون أهل الدجل؟
قال الحكيم: تلك العيون التي رأى بها فرعون وملؤه ما جاءهم به
موسى u من
الآيات، فقد رأوها سحرا لأنهم لم يروا في حياتهم إلا السحر، قال تعالى:﴿
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى
فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)﴾
(غافر)، وقال تعالى:﴿ وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ
بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
(39)﴾ (الذاريات).. ألا ترى عمى هذا الأحمق عن الاحتمالات التي يتطلب العقل
السليم النظر فيها.. فقد انحصر ما فعله موسى u عنده في السخر أو في الجنون.