إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله تعالى الآية[1].
وعن أبي يزيد المدني؛ أن النبي a لقي أبا جهل فصافحه، قال له رجل:
ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟! فقال: والله إني أعلم إنه لنبي، ولكن متى كنا لبني
عبد مناف تبعا؟
وقد روي أن أبا جهل جاء يستمع قراءة النبي a من الليل، هو وأبو سفيان صَخْر بنِ
حَرْب، والأخْنَس بن شِريْق، ولا يشعر واحدٌ منهم بالآخر، فاستمعوها إلى الصباح،
فلما هَجَم الصبح تَفرَّقوا، فجمعتهم الطريق، فقال كل منهم للآخر: ما جاء بك؟ فذكر
له ما جاء له، ثم تعاهدوا ألا يعودوا، لما يخافون من علم شباب قريش بهم، لئلا
يفتتنوا بمجيئهم، فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظَنًا أن صاحبيه لا
يجيئان، لما تقدم من العهود، فلما أجمعوا جمعتهم الطريق، فتلاوموا، ثم تعاهدوا ألا
يعودوا. فلما كانت الليلة الثالثة جاءوا أيضا، فلما أصبحوا تعاهدوا ألا يعودوا
لمثلها، ثم تفرقوا.
فلما أصبح الأخنس بن شَرِيق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان
بن حرب في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حَنْظَلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: يا
أبا ثعلبة، والله لقد سمعتُ أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت
معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.
ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه في بيته فقال: يا
أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف
الشرف: أطعموا فأطعمنا، حملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تَجاثينا على
الرُّكَب، وكنا كَفَرَسي رِهَان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك
هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه[2].
[1] رواه الحاكم، وقال:
صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.