قال الحكيم: ذلك شيء آخر.. وذلك شيء لا يمكن لأحد في الدنيا أن
يعرف سره.. فالله تعالى أعد نبيه إعدادا خاصا لهذه الوظيفة العظيمة التي تنوء بحملها
الجبال.
ألا ترى كيف مهد الله لتربية نبيه موسى u بأن فر بنفسه، ورعى الغنم، وحصل له
من البلاء ما حصل.. ليكون كل ذلك زادا يعينه في الوظيفة التي أعد لها؟
لم يجد جيري فاينز ما يجيب به، فأخرج ورقة صغيرة من جيبه،
طالعها بسرعة، ثم قال: نعم.. نعم.. لقد نسيت أن أذكر لك الدليل الذي ينهار أمامه
كل ما ذكرت من أدلة..
إن الثابت علميا أن المنتحر لا ينتحر إلا بعد تعرضه لمرض نفسي
خطير كالاكتئاب ونحوه.. وبما أن محمدا حاول الانتحار مرات عديدة، فهذا دليل على
أنه مصاب بمرض نفسي.
ابتسم الحكيم، وقال: ومن أين عرفت أنه حاول الانتحار، ومن تدخل
لينقذه من محاولة انتحاره؟
قال جيري فاينز: لقد روي هذا عن محمد.. لقد حدث الزهرى بلاغاً
عن فترة الوحي، فقال: وفتر الوحى فترة حتى حزن النبى a ـ فيما بلغنا ـ حزناً غدا منه
مراراً، كى يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل، لكى يلقى منه نفسه،
تبدى له جبريل فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه
فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له
جبريل فقال له: مثل ذلك[1].
ابتسم الحكيم، وقال: ليس كل ما يروى في التاريخ يصح قبوله.
قال جيري فاينز: وليس كل ما يروى في التاريخ يمكن رفضه.