قلت: صدقت.. إني بيني وبين نفسي تعتريني شبه أجتهد اجتهادا مؤلما في
صرفها.
قال: أنت تفر منها.. ولا يمكنك أن تفر من شيء يسكنك.. لأنها إن خرجت
من قلبك ووعيك سكنت محلا من عقلك.. وما سكن محلا من عقلك يوشك أن تسقيه الأيام قوة
ليسيطر على كل عقلك.
قلت: بدأت أفهم.. نعم.. صحيح ما تقول.. فما في الخارج صدى لما في
نفسي.. إن نفسي تفر.. فلذلك ووجهت بما تفر منه.
نظر إلي نظرة حازمة ممتلئة عتابا كعتاب
المحبين، ثم قال: لن
ينجيك في هذه المفازة المملوءة بالأفاعي والسباع إلا حصن واحد.
قلت: ما هو؟
قال: العقل.. فلا يمكن لمن ألغى عقله أن ينجو في هذه المتاهة.
قلت: لا يمكن لأحد أن يلغي عقله.
قال: كلهم يلغون عقولهم.. كلهم يلغون عقولهم..
قال ذلك، ثم انصرف وهو يردد ذلك.. طلبت منه أن يقف، فلم يقف..
بل سار حتى غيبه الأفق.
***
بعد أيام قليلة طلب مني أخي أن أصحبه ليريني مفاجأة سماها
(مفاجأة العصر)، فسرت معه، وأنا ممتلئ مخافة من هذه المفاجأة التي يريد أن يريها
لي.. فأنا أعلم أن ما في نفسه من أحقاد على محمد a لن يرشح منها أي خير.
وصلنا دارا واسعة محاطة بحديقة غريبة.. لقد كان ذوق أصحاب الدار
عجيبا، حيث أنهم لم يرضوا لها إلا أن تزين بأفتك أنواع الأشجار الشوكية، حتى صارت
تشبه دور السحرة كما تمثل في الأفلام الخيالية.