بل إن القرآن الكريم أخبرنا بأن كل الأمم لها حظها من الأنبياء
والرسل، ولم يستثن من ذلك أمة من الأمم، قال تعالى:﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ
بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر:24)
ولهذا، فإن المسلمين الذين وعوا هذه النصوص ينظرون بكل مهابة
لكل الشخصيات المقدسة عند جميع الأمم خشية أن تكون تلك الشخصيات من الأنبياء الذين
لم تذكر أسماؤهم في القرآن الكريم.
قال نيقتاس: ولكن لم يعتبرون أتباع هؤلاء الأنبياء كفارا..
ويخبرون أنهم في جهنم؟
قال الحكيم: بالنسبة لجهنم.. المسلمون لا يجزمون لأحد بأنه من
أهل جهنم إلا لمن جزمت لهم النصوص المقدسة بذلك.. أما من عداهم، فكل مسلم متورع
يتورع من إطلاق ذلك[1]..
لقد قال رسول الله a ذاكرا صعوبة الحكم في مثل هذه المسائل التي هي من اختصاص الله:(إن
الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له بعمل أهل النار وأن الرجل
ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة)[2]
[1]عبر الشعراني عن وصايا
رسول الله a المرتبطة بهذا، فقال:
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله a أن لا نحتقر مسلما ولو بلغ في الفسق ما بلغ لجهلنا بخاتمته
وإنما نأمره وننهاه من غير احتقار وربما يكون أحسن حالا منا فكيف نحتقر من نحن
أسوأ حالا منه؟ وإيضاح ذلك أن السبب الموجب لوقوعنا في احتقاره إنما هو حسن الظن
بأنفسنا وسوء الظن بغيرنا والواجب العكس كما قالوا من حكمة العارف بالله أن يوسع
على الناس ويضيق على نفسه، ويرى أن الله تعالى سامح الخلق ويؤاخذه هو﴾ (العهود المحمدية)
وما ذكره الشيخ الشعراني ـ حسبما تدل النصوص ـ ليس خاصا بالمسلم..
فالمسلم لا يحتقر غير المسلمين حين يدعوهم الله.. بل هو لا يدعوهم إلا انطلاقا من
احترامه لهم، ولو لم يكن يحترمهم لما أعارهم أي اهتمام.