العير، وكانت تحسب أنها في اليوم الأخير من جمادى الآخرة، فإذا
هي في اليوم الأول من رجب ـ وقد دخلت الأشهر الحرم ـ التي تعظمها العرب، وقد عظمها
الإسلام وأقر حرمتها.
هنا انتفض دوج، وكأنه قد ظفر بضالته التي ظل يبحث عنها، وقال:
أرأيتم كيف يحطم المسلمون شعائر السلام.. فيقاتلون في الأشهر الحرام[1]؟
ابتسم الحكيم، وقال: ما شاء الله.. إنك تردد كلمات أبي سفيان
وأبي جهل وعبد الله بن أبي.. أولئك الذين لا يعرفون الحرمات إلا عندما ترتبط
بمصالحهم.
إنك الآن تكرر نفس موقف المشركين.. فإن قريشا قالت حينها: قد
استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا
فيه الرجال.
وقد استغلت اليهود هذه الفرصة، فراحت تقول: عمرو بن الحضرمي
قتله واقد بن عبد الله.. عمرو عمرت الحرب.. والحضرمي: حضرت الحرب.. وواقد بن عبد
الله: وقدت الحرب.
أتدري.. لقد كانت هذه الغزوة لمن تأمل فيها دليلا على السلام
العظيم الذي كان يحمله رسول الله a ويحمله معه أصحابه الطاهرون.
لقد روى المؤرخون أنه لما قدمت السرية بالعير والأسيرين على
رسول الله a قال:(ما
أمرتكم بقتال في الشهر الحرام)، ووقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً.
وهو نفس موقف سائر المسلمين..
هل ترى هذا موقف مسالمين، أم مواقف محاربين!؟
قال دوج: ولكنهم قبلوا الغنيمة بعد ذلك.
قال الحكيم: لقد كان من سماحة رسول الله a أن أطلق سراح الأسيرين.. ولم يكتف
[1] نرى في كتب المسيحيين
ومواقعهم حملة شديدة على هذه السرية، وهو أمر لا يستغرب من نفوس حاقدة تستغل كل ما
يقوله أعداء الإسلام مهما كان نوعهم.