خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان
كذا وكذا، للمكان الذي به جيش المسلمين، وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن
كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي فيه جيش المشركين
فعلاً، ثم قال الشيخ: لقد أخبرتكما عما أردتما، فأخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول
الله a:(نحن
من ماء)، ثم انصرف النبي a عن الشيخ، وبقي هذا الشيخ يقول: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟
ضحكت الجماعة، فاغتاظ دوج، وقال: ألا تعجبون من نبي يخادع؟
التفت له الحكيم، وقال: وهل تريد من محمد a أن ينشر إعلانا للمشركين عن جيشه
وخطته ليضربوه كما يحلو لهم!؟.. إن أي حرب في الدنيا تستدعي أمرين كلاهما حرص عليه
رسول الله a في كل
غزواته:
تستدعي أولا التكتم الشديد حرصا على حياة الجيش وتحقيق الانتصار،
وقد أرشد القرآن الكريم المسلمين إلى أهمية هذا، فقال:﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ
أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي
الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا
قَلِيلاً﴾ (النساء:83)، وقد تحلى رسول الله a بصفة الكتمان في عامة غزواته، فعن
كعب بن مالك قال: (ولم يكن رسول الله a يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها..)[1]
وتستدعي ثانيا التعرف على قدرات الخصم.. ليخطط للمعركة بحسبها،
فقد كان من هدي النبي a في غزواته حرصه على معرفة جيش العدو والوقوف على أهدافه
ومقاصده؛ لأن ذلك يعينه على رسم الخطط الحربية المناسبة لمجابهته وصد عدوانه.
لا أرى أن أحدا من العقلاء ينكر مثل هذا السلوك.. فإن أنكره فإن
عقله ليس عقل