نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك. فرأيت الرسول a أشرق وجهه وسرَّه[1].
لكن الرسول a لم يكتف بقوله ذلك.. بل راح يقول:(أشيروا عليَّ أيها الناس)..
وقد كان يقصد الأنصار بذلك؛ لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن
في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول a خارج المدينة.
وقد أدرك سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار، مقصد النبي a من ذلك فنهض قائلاً: والله لكأنك
تريدنا يا رسول الله؟.. فقال a:(أجل)، فقال سعد: (لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به
هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله
لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف
منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند
اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله)[2]
فلما قال سعد ذلك سُرَّ النبي a، وقال:(سيروا وأبشروا، فإن الله
تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم)
بعد أن رأى النبي a مدى استعداد جنده للمقاومة والجهاد نظمهم كما ينظم كل قائد
جنوده، وعقد اللواء الأبيض وسلَّمه إلى مصعب بن عمير، وأعطى رايتين سوداوين إلى
سعد بن معاذ، وعلي بن أبي طالب، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة.
وقد لقي رسول الله a قبل المعركة شيخا من العرب، فسأله عن جيش قريش، وعن محمد وأصحابه،
فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما، فقال له رسول الله a:(إذا أخبرتنا أخبرناك)، فقال: أو
ذاك بذاك؟ قال: نعم، فقال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه