استشار أصحابه في الأمر، فأبدى بعض الصحابة عدم ارتياحهم
للمواجهة الحربية مع قريش، حيث إنهم لم يتوقعوا المواجهة ولم يستعدوا لها، ولذلك
حاولوا إقناع الرسول a
بوجهة نظرهم، وقد صور القرآن الكريم، موقفهم وأحوال الفئة المؤمنة في ذلك الحين،
فقال:﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ
بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)
يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى
الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ
تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ
دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ
كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)﴾
(الأنفال)
هنا انتفض دوج، وقال: أرأيتم.. كيف يزعم هذا الرجل أن محمدا محب
للسلام، وها هو يختار القتال.. بل إن قرآنه يأتي ليأمر بالقتال؟
ابتسم الحكيم، وقال: أرأيت لو أن هذا الموقف وقفه أي زعيم من
زعماء العالم الغيورين على أقوامهم.. ماذا ستراه يفعل؟
سكت دوج، فالتفت الحكيم إلى الجمع، وقال: فلنفرض أن عدوا من
الأعداء داهم بلادنا هذه.. وفي نيته أن يستأصلنا من جذورنا.. ماذا سترى لزعيمنا
المخلص أن يفعل.. هل يسلم بلاده ورقاب رعيته، أم أنه يحضهم على المقاومة؟
قال الجمع: خائن هو إن لم يدعهم إلى المقاومة.. وجبناء هم إن
انتظروا حتى يأمرهم.
قال الحكيم: وهذا ما حصل مع المسلمين.. فالصادقون من المسلمين
وأهل السبق منهم خصوصا لم يرتابوا في ضرورة مواجهة العدو..
وقد كان للمقداد بن الأسود في ذلك الموقف موقف لا ينساه له
التاريخ.. لقد قال عبد الله بن مسعود عنه: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن
أكون صاحبه أحب إلي مما عُدلَ به.. أتى النبي a وهو يدعو على المشركين، فقال: لا
نقول كما قال قوم موسى:﴿ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً
مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا
قَاعِدُونَ ﴾ (المائدة:24)، ولكن