قال الحكيم: أليسوا هم الذين قدموا للقتال عازمين على استئصال
المسلمين؟
قال دوج: بلى..
قال الحكيم: ففي إمكانهم أن يرجعوا إذن.. وفي عطشهم ما قد
يجعلهم يرجعون، فيحفظوا حياتهم وحياة المسلمين.
قال دوج: ولكنهم لم يرجعوا.. أفيحرمون من الماء؟
قال الحكيم: أفتريد من رسول الله a أن يحضر لهم الطعام إذا جاعوا.. ثم
يضمد جراحهم إذا جرحوا..
ضحك الجمع، فقال الحكيم: هذه حرب.. ومع أن الأخلاق هي التي تحكم
حروب المسلمين.. فإن العاقل لا يرى في هذا أي مساس بالخلق النبيل العالي.. فهؤلاء
الذين استفزهم الشيطان بما استفزهم به ينبغي أن يصرفوا بأي وسيلة.. ولو بتعريضهم
للعطش.
نظر الحكيم إلى دوج، وقال: أتدري كيف كان هؤلاء الذين تدافع
عنهم.. لقد وصف القرآن الكريم كيفية خروجهم، فقال:﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ (لأنفال:47)
ووصف المؤرخون بعض ذلك، فذكروا أن أبا جهل وأصحابه الخارجين يوم
بدر لنصرة العير، خرجوا بالقيان والمغنيات والمعازف، فلما وردوا الجحفة بعث خُفاف
الكناني، وكان صديقا لأبي جهل، بهدايا إليه مع ابن عم له، وقال: إن شئت أمددتك
بالرجال، وإن شئت أمددتك بنفسي مع ما خف من قومي، فقال أبو جهل: إنا كنا نقاتل
الله كما يزعم محمد، فوالله ما لنا بالله من طاقة، وإن كنا نقاتل الناس فوالله إن
بنا على الناس لقوة، والله لا نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرًا فنشرب فيها الخمور،
وتعزف علينا القيان، فإن بدرًا موسم من مواسم