الحصار خمس عشرة ليلة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على
حكم رسول الله a في
رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم رسول الله a فكتفوا.
وحينئذ قام عبد الله بن أبي بن سلول ـ وقد كان رسول الله a يعلم نفاقه ـ فألح على رسول الله a أن يصدر عنهم العفو، فقال: يا
محمد، أحسن فـي موالى ـ وكـان بنـو قينـقاع حلفـاء الخزرج ـ فأبطأ عليه رسول الله a فكرر ابن أبي مقالته فأعرض عنه، فأدخل
يده في جيب درعه، فقال له رسول الله a :(أرسلني)، وغضب حتى رأوا لوجهه ظُللاً، ثم قال:
(ويحك، أرسلني)، ولكن المنافق مضى على إصراره وقال: لا والله لا أرسلك حتى
تحسن في موالى أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم
في غداة واحدة ؟ إني والله امرؤ أخشي الدوائر.
وعامل رسول الله a هذا المنافق ـ الذي لم يكن مضي على إظهار إسلامه إلا نحو شهر
واحد فحسب ـ بالحسنى، فوهبهم له، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها،
فخرجوا إلى أذْرُعَات الشام.
وبهذه العقوبة الرادعة لاذت القبائل اليهودية بالصمت والهدوء
فترة من الزمن..
قال دوج: ألا تعتبر هذا إرهابا؟
قال الحكيم: لا.. بل فعل بهم رسول الله عين العدل والحكمة
والرحمة..
قال دوج: أي عدل وأي حكمة وأي رحمة هذه التي تتحدث عنها؟
قال الحكيم: أما العدل.. فإن كل مجرم لابد أن ينال عقوبته
ليستتب الأمن.. وهؤلاء الذين لم يرحموا امرأة يمكن أن يصدر منهم أي شيء بعد ذلك.
قال دوج: والحكمة!؟
قال الحكيم: لولا أن رسول الله a تعامل بحزم مع هذه الأمور وأمثالها
لما استطاع أن يؤسس ذلك المجتمع الفاضل الذي أسسه.. ولا استطاع أن ينشر تلك القيم
الرفيعة التي