وقال سهل: والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله a، ومن كان يسكب الماء، وبما دُووِي
؟ كانت فاطمة ابنته تغسله، وعلى بن أبي طالب يسكب الماء بالمِجَنِّ، فلما رأت
فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير، فأحرقتها، فألصقتها
فاستمسك الدم.
ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادي: إن موعدكم بدر العام
القابل، فقال رسول الله a لرجل من أصحابه: (قل: نعم، هو بيننا وبينك موعد).
ثم بعث رسول الله a على بن أبي طالب، فقال: (اخرج في آثار القوم فانظر ماذا
يصنعون؟ وما يريدون؟ فإن كانوا قد جَنَبُوا الخيل، وامْتَطُوا الإبل، فإنهم
يريدون مكة، وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة، والذي
نفسي بيده، لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم)، قال على: فخرجت في
آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووَجَّهُوا إلى مكة.
التفت الحكيم إلى دوج، وقال: أنت تبحث عن سر نصر أحد.. فهذا سر
من أسراره..
لقد جاء المشركون ليقضوا على الإسلام، وليدخلوا المدينة
وينهبوها.. ولكنه لم يحصل شيء من ذلك..
كل ما حصل هو أن عدد شهداء المسلمين كان أكبر من عدد شهداء
المشركين[1].. وليس ذلك هو مقياس النصر أو
الهزيمة.. فمقياس النصر والهزيمة هو تحقيق أحد الطرفين
[1] اتفقت جل الروايات على
أن قتلي المسلمين كانوا سبعين، وكانت الأغلبية الساحقة من الأنصار؛ فقد قتل منهم
خمسة وستون رجلاً، واحد وأربعون من الخزرج، وأربعة وعشرون من الأوس، وقتل رجل من
اليهود. وأما شهداء المهاجرين فكانوا أربعة فقط.
وأما قتلى المشركين فقد ذكر ابن إسحاق أنهم اثنان وعشرون قتيلاً، ولكن
الإحصاء الدقيق ـ بعد تعميق النظر في جميع تفاصيل المعركة التي ذكرها أهل المغازي
والسير، والتي تتضمن ذكر قتلي المشركين في مختلف مراحل القتال ـ يفيد أن عدد قتلي
المشركين سبعة وثلاثون، لا اثنان وعشرون، والله أعلم . انظر: الرحيق المختوم.