انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما
يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن وجدوا فرصة انتهزوها، وإن كانوا غير ذلك تشمروا
إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله
لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً، فأبوا عليهم وخَذل الله بينهم، وبذلك نجحت
الخدعة.
وبعد توفير المؤمنين كل أسباب النصرة الممكنة أرسل الله الريح
في ليال شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم، وأصيبوا بالبرد،
وماتت مواشيهم، فلما انتهى إلى رسول الله a ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من
جماعتهم، دعا حذيفة فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً، وكان حذيفة صاحب سر
رسول الله a قال
حذيفة: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدراً
ولا ناراً ولا بناءً، كما قال تعالى:﴿ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ
اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيراً﴾ (الأحزاب: 9).
وقد وصف حذيفة ذلك الموقف الشديد، فذكر أن أبا سفيان بن حرب قام
فقال:(يا معشر قريش لينظر امرؤ جليسه)، قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى
جنبي، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان:(يا معشر قريش إنكم
والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم
الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون والله ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار
ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل)، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه،
ثم ضربه، فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم.
هذه خطبة أبي سفيان في الجيش، وكان قائدهم ولا بقاء للجند بعد
رجوع القائد ونصيحته لهم بالعودة، ولا شك أنهم سئموا الإقامة ولم يروا فائدة من
الانتظار أكثر مما انتظروا، وقد ساءت حالهم بسبب اشتداد البرد وهبوب الريح وعدم
رغبة بني قريظة في القتال، وقد كانوا