ولمّا أسرت قريش حذيفة وأباه أطلقوهما، وعاهدوهما أن لا
يقاتلاهم مع رسول الله a، وكانوا خارجين إلى بدر، فقال رسول الله a: (انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين
الله عليهم)
وقد ردّ النبيُّ a أبا بصير للمشركين، وأبَى أن يقبله بعد أن عاد إليه وفاءً
بالعهد الذي بينه وبين المشركين.
والمؤمنون مع رسول الله a في ذلك يتأدبون بما ورد في القرآن
الكريم من الأمر بالوفاء بالعهود.. قال تعالى:﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ
اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا
وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ﴾ (النحل:91)، وقال تعالى:﴿
وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ (الاسراء:34)
وقد وصف الله تعالى الذين ينقضون العهد بالخسران، فقال:﴿
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ﴾ (البقرة:27).. بل وصفهم بما هو
أخطر من ذلك، فقال:﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ
مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي
الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ (الرعد:25)
ولذلك، فإن القرآن الكريم يصف أعداء الإسلام بالخيانة، وذلك
ليقرر في المؤمنين أن الخيانة ليست من أخلاقهم، ولا من دينهم، قال تعالى:﴿
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ
وَهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾ (لأنفال:56)
وفي مقابل هذا أمر المؤمنون بإتمام مدة العهد، قال
تعالى:﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ
يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا
إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (التوبة:4)
وعلى هذا الميثاق القرآني كان النبي a يربي أصحابه، وسراياه التي كان
يرسلها،