قال الحكيم: أهذا هو الطهر والبراءة والتقى!؟.. لقد قال صاحب (طريق
الأولياء)[1] يتأسف عليه:(حاله حري أن يبكى
عليه، ونحن بعد التأسف والخوف والخشية على أنفسنا نتعجب منه، أهو الذي بقي نقي
الثوب عن جميع شرور سادوم، وكان قويا في السلوك على صراط الله، وبعيدا عن جميع
نجاسات تلك البلدة وغلب عليه الفسق بعد ما خرج إلى البر، فأي شخص يكون مأمونا في
بلد أو بر أو كهف) فإذا كان القسيسيون قد بكوا عليه، فليكفنا بكاؤهم[2].. ولنبحث في سجل خطايا نبي
[2] من باب تبرئة نبي الله
لوط ـ عليه السلام ـ فسنعيد هنا ذكر ما ذكرناه في رسالة ( الكلمات المقدسة) من
أدلة براءة لوط ـ عليه السلام ـ من تلك التهمة الشنيعة، فقد جاء فيه:
كعادة الكتاب المقدس، فإنه يترك في نصوصه أدلة التحريف والكذب، وسنقتصر
من أدلة كذب هذه القصة ما ذكره الكتاب المقدس علي لسان بنت لوط الكبرى أنه لا يوجد
رجال في الأرض (و ليس في الأرض رجل )، فهذا القول خطأ من وجوه:
1. أن الرب دمر قرية سدوم وعمورة فقط بما فيها من البشر، أما باقي الأرض
وما بها من البشر، فلم يمسهم.
2. كان لوط قريبا جدا من عمه إبراهيم وقومه، وقد مرت ملائكة الرب علي
إبراهيم وهم في طريقهم لتدمير قرية سدوم وعمورة بل شاهد إبراهيم القرية والدخان
ينبعث منها، كما في (تكوين: 19: 27 -28):« وبكر ابراهيم في الغد الى المكان الذي
وقف فيه أمام الرب وتطلع نحو سدوم وعمورة ونحو كل أرض الدائرة ونظر وإذا دخان
الأرض يصعد كدخان الأتون » أي أن لوط لم يبعد عن إبراهيم وقومه، وبالتالي يمكن
لبنات لوط الزواج من قوم إبراهيم أو من أي قرية قريبة منهم.
3. أن في الكتاب المقدس ما يدل على كون بناته متزوجات.. حيث أن لوطا طلب
من أزواج بناته الاستعداد للرحيل معهم (تكوين:19: 14):« فخرج لوط وكلم أصهاره
الآخذين بناته وقال: قوموا اخرجوا من هذا المكان لأن الرب مهلك المدينة فكان كمازح
في أعين أصهاره »
وقد ورد في نفس الوقت ما يدل على أنهما غير متزوجتين حيث أن لوط أخبر
قومه أن لديه بنتين لم يعرفا رجلا، أي لم يسبق لهم الزواج (تكوين: 19: 8):« هوذا
لي ابنتان لم تعرفا رجلا اخرجهما اليكم فافعلوا بهما كما يحسن في عيونكم وأما هذان
الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئا لأنهما قد دخلا تحت ظل سقفي »
ولسنا ندري أي النصين نصدق!؟
4. أن الرب أهلك الآثمين فقط، ونجى البارين فقط.. فإن كان زوجي بنتي لوط
ـ ان صح أنهما من المتزوجات ـ من الآثمين لماذا طلب ملاك الرب من لوط أن يأخذهم
معه (تكوين: 19: 12):« وقال الرجلان للوط من لك أيضا ههنا اصهارك وبنيك و بناتك
وكل من لك في المدينة اخرج من المكان ».. فهل الرب يحابي لوط وبناته وأصهاره!؟
5. أن المخمور الذى لا يستطيع أن يفرق بين بناته والأجنبيات لشدة سُكره،
لا يكون فى هذا الوقت مستعدا للممارسة الجنسية، والغريب فى باقى القصة أن الأب لم
يسأل ابنتيه العذراوتين عن سبب الحمل؟ ومثل هذا الوضع لو وقع لبعض آحاد الناس
لضاقت عليه الأرض بما رحُبت حزناً وغماً.
6. أنه لو كان الموابيين
والعمونيين من الزنى لغضب الله عليهم أو أهمل شأنهم، ولكننا نرى فى سفر التثنية أن
الله قد أعطى أرض الإيميين للموآبيين ميراثاً « فَقَال لِي الرَّبُّ: لا تُعَادِ
مُوآبَ وَلا تُثِرْ عَليْهِمْ حَرْباً لأَنِّي لا أُعْطِيكَ مِنْ أَرْضِهِمْ
مِيرَاثاً. لأَنِّي لِبَنِي لُوطٍَ قَدْ أَعْطَيْتُ «عَارَ» مِيرَاثاً.
10الإِيمِيُّونَ سَكَنُوا فِيهَا قَبْلاً. شَعْبٌ كَبِيرٌ وَكَثِيرٌ وَطَوِيلٌ
كَالعَنَاقِيِّينَ »(سفر التثنية 2: 9-10)، كما أعطى أرض الرفائيين لبنى عمون
ميراثاً:« 19فَمَتَى قَرُبْتَ إِلى تُجَاهِ بَنِي عَمُّونَ لا تُعَادِهِمْ وَلا
تَهْجِمُوا عَليْهِمْ لأَنِّي لا أُعْطِيكَ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ مِيرَاثاً
- لأَنِّي لِبَنِي لُوطٍ قَدْ أَعْطَيْتُهَا مِيرَاثاً. 20هِيَ أَيْضاً تُحْسَبُ أَرْضَ
رَفَائِيِّينَ. سَكَنَ الرَّفَائِيُّونَ فِيهَا قَبْلاً لكِنَّ العَمُّونِيِّينَ
يَدْعُونَهُمْ زَمْزُمِيِّينَ »( تثنية 2: 19-20)
وقد أعطى الله الموآبيين والعمونيين ميراث الأرض قبل أن يورث بنى إسرائيل
وقبل أن يدخلوا أرض الميعاد، بل وحرَّمَ أرض الموآبيين والعمونيين على بنى إسرائيل
كما ورد فى سفر (التثنية 2: 9 و 19)
ولو كان الإرث يستلزم عهداً من الرب، فقد حصل عليه العمونيون والموابيون،
وبذلك يكونون قد دخلوا فى جماعة الرب، لأن الرب لا يعطى عهداً لأبناء الزنى:« 2لا
يَدْخُلِ ابْنُ زِنىً فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. حَتَّى الجِيلِ العَاشِرِ لا
يَدْخُل مِنْهُ أَحَدٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ »(تثنية 23: 2)، وبذلك يكون
الموآبيون والعمونيون ليسوا من أبناء زنى ويكون كتبة هذه القصة من الكاذبين. ويكون
بنى إسرائيل قد ادعوا وجود هذا العهد من الله ويكونوا أيضاً من الكاذبين.
ولو صدقنا قول التوراة أن العمونيين والموآبيين من نسل الزنى، وعلى الرغم
من ذلك قد حصلوا على عهد من الله وعلى إرث، يكون قد نال عهد الله أبناء الزنى
والأطهار (بنى إسرائيل)، فلا ميزة إذن للأطهار عن أبناء الزنى، ويصبح قول التوراة
بأن بنى إسرائيل شعب الله المختار لأنهم أخذوا عهداً من الله بتملك الأرض، هو قول
كذب.
7. أن راعوث كانت موآبية وهى أم نبى الله داود الذى كان من ذريته كل ملوك
يهوذا حتى السبى، والذى قال عنه الرب:« 14أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ
يَكُونُ لِيَ ابْناً. إِنْ تَعَوَّجَ أُؤَدِّبْهُ بِقَضِيبِ النَّاسِ
وَبِضَرَبَاتِ بَنِي آدَمَ. 15وَلَكِنَّ رَحْمَتِي لاَ تُنْزَعُ مِنْهُ كَمَا
نَزَعْتُهَا مِنْ شَاوُلَ الَّذِي أَزَلْتُهُ مِنْ أَمَامِكَ. 16وَيَأْمَنُ
بَيْتُكَ وَمَمْلَكَتُكَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ. كُرْسِيُّكَ يَكُونُ ثَابِتاً
إِلَى الأَبَدِ» (صموئيل الثانى 7: 14-16)
فلا يمكن أن من شرفه الله بهذا الشرف أن يكون من سلالة زنى. كما أن
سليمان قد تزوج من نعمة العمونية وأنجب منها رحبعام (ملوك الأول 14: 21)، ولا يمكن
أن يكون رؤوس جماعة الرب من أمهات زنى، فضلاً عن أنهم من نسل الرب (تبعاً للتشريع
النصرانى)، فلابد أن يكون هذا التشريع مدسوس على التوراة.
وقد بين السموال بن يحيى المغربى ـ أحد أحبار اليهود الذين أسلموا، وقد
كان أبوه حبراً يهودياً كبيراً وإماماً ضليعاً فى اليهودية وكذلك كانت أمه ـ السر
الذي دعا إلى اختلاق هذه القصة، فقال:« وأيضاً فإن عندهم أن موسى جعل الإمامة فى
الهارونيين، فلما ولى طالوت (شاول) وثقلت وطأته على الهارونيين وقتلَ منهم مقتلة
عظيمة، ثم انتقل الأمر إلى داود، بقى فى نفوس الهارونيين التشوق إلى الأمر الذى
زال عنهم، وكان (عزرا) هذا خادماً لملك الفرس، حظيا لديه، فتوصل إلى بناء بيت
المقدس، وعمل لهم هذه التوراة التى بأيديهم، فلما كان هارونياً، كره أن يتولى
عليهم فى الدولة الثانية داودىّ، فأضاف فى التوراة فصلين للطعن فى نسب داود،
أحدهما قصة بنات لوط والآخر قصة ثامار (مع يهوذا) ولقد بلغ - لعمرى - غرضه، فإن
الدولة الثانية كانت لهم فى بيت المقدس، لم يملك عليها داوديون، بل كان ملوكهم
هارونيون » إفحام اليهود:151 و 152.