بعد أن لم أجد ما أسأله من مسائل قلت: أسلم لك بأن ما تركه محمد
من ثروة في هذا المجال لا يعدله شيء.. ولكن ألا ترى في نفس التوجه بالدعاء قصورا؟
قال: وما القصور الذي فيه؟
قلت: أليس العبد هو الذي صار بين يدي مولاه كالميت بين يدي
الغسال، فصار لا يطلب من مولاه إلا مولاه؟
قال: ما قتله صحيح.. وفي ذلك يقول رسول الله a في الحديث القدسي: (من شغله ذكري
عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)[1].. ولهذا، فقد مر رسول الله a بمواقف كثيرة كان يكتفي فيها
بتصاريف الأقدار عن الإلحاح في الدعاء.
قلت: لقد سمعت أنه كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع.. ومع ذلك
لم يسأل الله رغيفا واحدا.
قال: بل إن في القرآن الكريم ما قد يستدل به على هذا.. لقد ذكر
الله تأخر طلب أيوب u وصبره تلك الفترة الطويلة، كما قال تعالى:﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي
مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ (الانبياء:83).. لقد روي أنه مكث في البلاء
مدة طويلة ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص
إخوانه له، كان يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم واللّه لقد أذنب
أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني
عشرة سنة لم يرحمه اللّه فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل، حتى ذكر ذلك
له، فقال أيوب u: ما
أدري ما تقول غير أن اللّه عزَّ وجلَّ يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان
فيذكران اللّه، فارجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهية أن يذكرا اللّه إلا في حق)[2]
[1] ) البخاري في خلق أفعال العباد، وابن شالهين في الترغيب في
الذكر، وأبو نعيم في المعرفة، والبيهقي.