وهو يرد على الذين يغالون في الطقوس،
وينسون الحقائق قائلا:﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ
أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (البقرة: 189)
وهو يرد على الذين يهتمون بالقرابين،
ويغفلون عن التقوى التي هي الأصل في التقربات، فيقول:﴿ لَنْ يَنَالَ
اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ
كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ
الْمُحْسِنِينَ﴾
(الحج:37)
قلت: وعيت هذا.. ولكني أرى قوما من الناس يرددون ما تردد أنت
وأبوك.. وهم لا يقصدون من ذلك إلا ما يقصده الكسالى من تهربهم من مشاق التكاليف،
خاصة ما كان منها من قبيل النوافل، فهم لا يقومون ليلا، ولا يصومون نهارا، ولا
يذكرون الله إلا قليلا.. فإذا ما عوتبوا في ذلك ذكروا عن العبادة ما ذكرت.
قال: كيف تقول هذا فيمن نزل عليه قوله
تعالى:﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً﴾ (الاسراء:79)، ونزل عليه قبلها قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ
مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا
(4)﴾ (المزمل)؟
قلت: هذه أوامر.. والأوامر قد تنفذ، وقد
يفرط فيها.. ولم نر أحدا من الناس يستدل على فعل فعله بأنه أمر به.
قال: كلهم يصدق عليه ما ذكرت إلا محمد a.. فقد تمثلت فيه جميع حروف القرآن
ومعانيه حتى صار قرآنا يمشي على الأرض.