قلت: أرى للقرآن سبقا عجيبا في الحديث عن
هذه الظاهرة.
قال: ليس الحديث عنها فقط، وإنما وضع
القرآن الكريم، والهدي النبوي منظومة كاملة لعلاجها، والوقاية منها.
قلت: فحدثني عنها.
قال: إن الآية الأخيرة التي قرأناها تشير
إلى هذه المنظومة.. فالآية تقسم العلوم إلى قسمين: علوم تتعلق بظاهر الحياة
الدنيا، وعلوم تتعلق بالآخرة:
أما العلوم المتعلقة بالدنيا، فهي العلوم
المنظمة لحياة الإنسان في الدنيا، أو الميسرة للإنسان أسباب العيش فيها، وهي علوم
مهمة، لأن وظائف الإنسان لا يمكن أداؤها إلا في جو صالح لذلك الأداء، وغاية هذه
العلوم إما سياسة الأفراد والمجتمعات، أو الحصول على تقنيات تيسر مرافق الحياة،
فهي علوم سياسية صناعية، أوهي سياسات وصناعات، لها حظها من العلم بقدر نجاحها في
تحصيل هاتين الغايتين.
أما العلوم الثانية، فهي العلوم
الحقيقية، لأنها تعنى بالهدف الذي من أجله وجد الإنسان واستخلف، والغفلة عنها أو
وضعها في مرتبة تلي مرتبة العلوم الأولى تحرف حقيقة وظيفة الإنسان على الأرض،
لأنها تجعل وظيفيته قاصرة على أن يؤمن في وجوده على الأرض ما يتصوره من وسائل
السعادة، من غير أن يتطلع إلى ما بعدها، وكأنه وجد ليأكل ويلبس ويركب ويسكن، ثم
يموت من غير أن يحمل شيئا مما أفنى عمره من أجله.
قلت: كأني بك تريد أن تقول بأن العلوم
الثانية هي التي تحمي من استغلال العلوم الأولى.
قال: أجل.. ولهذا، فإن النصوص تحث على
البدء بالعلوم الأولى قبل البدء بالعلوم الثانية.